بقصد وعن سابق إصرار يقدم مؤيدو "الإخوان المسلمون" أنفسهم بأنهم الخيار الإسلامي للحكم، ويرفعون شعارا خالبا للألباب يتمثل في أن "الإسلام هو الحل"، وليس هناك من يختلف مع الإخوان في أن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان، وهو منهج يحكم حياتنا ونتصرف وفقا لحدود الله في الحلال والحرام.. نجتهد حكاما ومحكومين مسلمين في هذا العالم لتحقيق العبودية، وتغليب المصالح العامة للأمة، وفي كل اجتهاد هناك مصيب ومخطئ. التعمية المتعمدة التي مورست منذ زمن بعيد وهي الآن أكثر رواجا تتمثل في تقديم "الإخوان المسلمين" على أنهم من يطبق شرع الله وأن من يعارضهم إنما يحاد الله ورسوله، وأنه إما كافرا أو علمانيا أو ليبراليا، أو عميلا خائنا. وهذا غير صحيح، "فالإخوان المسلمون" تعاقدوا على فكرة تقوم عليها جماعتهم، ووضعوا لها تنظيما سياسيا علنيا، وآخر خاصا وسريا، وتنطوي جميعها تحت عباءة المرشد. وهم في ذلك مثل الأحزاب التي تقوم على فكرة شيوعية أو ديمقراطية أو مسيحية، أو جمهورية، أو ليبرالية، وهم جميعا يعتنقون فكرا يرونه مناسبا للحكم ويعملون على التكتل تحت لوائه لجمع الأتباع والمؤيدين المعتنقين لنفس الفكر من أجل تشكيل أغلبية قادرة على الحكم. وعندما تتصارع الأحزاب فإنها تتوسع في نقد أفكار بعضها البعض وتعمل على إبطال حجة الخصم أو التقليل من شأنه، فكيف للحزب المقابل "للإخوان" أن ينتقد منهجهم وأفكارهم إذ كانوا يقولون نحن الإسلام ومن ينتقدنا فإنه ينتقد الإسلام.؟ مصر كان يحكمها مسلم، وتعاقب على حكمها مسلمون في سدة الرئاسة، وقد سموا السادات "الرئيس المؤمن" عندما كان على وفاق معهم، ثم قتلوه لاحقا، وفي الحكومات المصرية السابقة والحالية فضلاء لا يزايد أحد على تدينهم ولا نزكيهم على الله. والدفع بأن هذا النظام علماني وذاك ليبرالي وأن "الإسلام هو الحل" شريطة أن يحكم به الإخوان هو دعاية فتنة لاصطياد البسطاء من بعض دول الخليج الذين لا يملأ عيونهم سوى بريق الآخر المخالف لما عليه أوطانهم، ومن عداؤه بيّن لأنظمتها. إن إصرار "الإخوان المسلمين" بحزبهم الرسمي المعلن، أو بخلاياهم النائمة في تقسيم المجتمعات العربية المسلمة إلى فسطاطين أحدها إسلامي يمثله الإخوان والآخر علماني يمثله الغالبية لا يعدو كونه مشروع فتنة واقتتال لايخدم سوى أعداء العرب والمسلمين. كما أن مخالفة عدد من الحركيين ممن عرف عنهم تقليديا من تحريم للانتخابات وقرن الأنظمة الجمهورية بالكفر، ولحاقهم بركب الإخوان على اعتبار أنهم الفرقة الأكثر تنظيما في الحشد والتنظيم، يؤكد غلبة الهوى على بعض الناس، فهم من أجل تحقيق مآرب سياسية يرفعون ألوية عدة تلامس مشاعر الناس وتستدر عاطفتهم الدينية من أجل الوصول إلى القيادة، فإذا وصلوا إليها كانوا أكثر الناس دعوة إلى ما سبق ونهوا عنه، فهم الأقرب إلى أمريكا قولا وعملا، وهم لا يتورعون عن قبول الربا الذي كانو يهاجمون خصومهم من أجله، ولم يقاطعوا العدو الصهيوني، بل قدموا له الضمانات التي لم تقدم من ذي قبل، وهي مآخذ جيّشوا بها الدهماء على من سبقهم في الحكم. وما دام أن الهدف واحد وهو الوصول إلى كرسي الحكم فيجب أن تكون قواعد اللعبة واحدة، وأن يخضع الجميع لقوانين التنافس الديمقراطي فلا تجعل فكري ومنهجي مستباحا، وتحصن فكرك ومنهجك عن النقد ومتطلبات التنافس. إن الشعب المصري يصلي في رابعة العدوية وفي ميدان التحرير أيضا، وهؤلاء يشهدون أن لا إله إلا الله وأولئك يفعلون، وهؤلاء يقرأون المصحف نفسه وأولئك يقرأونه، فلماذا يُحكم على الفريق المقابل بالكفر والإلحاد بغرض حشد الجماهير والأتباع باسم الإسلام بما يلحق الضرر بطرف مسلم أيضا؟ علماء الشريعة غير الحزبيين، والذين يبرأون إلى الله من الحركيين، وأيضا الكتّاب والمثقفون عليهم مسؤولية كبيرة في كشف تدليس الإخوان، والبيان لعامة المسلمين وخاصتهم أنهم ليسوا سوى حزب سياسي يجيد توظيف الدين وعواطف المسلمين الجياشة ليحققوا مكاسب سياسية على حساب خصوم الحزب. إن وجود علماء مسلمين أجلاء في البلاد الإسلامية يختلفون مع "الإخوان المسلمين" هو دليل بيّن على أن الاختلاف على نهج ما عليه "الإخوان المسلمون" ليس بأية حال من الأحوال عداء للدين.