صقدم الفتح في الموسم الماضي درساً للفرق السعودية عن الدور الكبير الذي يلعبه الاستقرار الفني في النتائج بعد أن استطاع الفريق الحساوي خطف لقب دوري "زين" لأول مرة في تاريخه بالرغم من حداثة عهده بالدوري الممتاز، المحللون الرياضيون والنقاد أكدوا بأن "الاستقرار" هو العامل الرئيسي الذي قاد الفتح نحو التتويج باللقب عندما أبقت الإدارة الفتحاوية على المدرب التونسي فتحي الجبال لمدة ستة مواسم حتى أصبح ابن تونس الخضراء يعرف كل صغيرة وكبيرة في فريقه وهو ماجعله يُجيد اختياراته في التعاقدات المحلية والأجنبية وقريباً من اللاعبين، الأمر الذي انعكس إيجابياً على مسيرة الفريق في الموسم الماضي. على الجانب الآخر لا تزال معظم الفرق السعودية اسيرة لقرارات إداراتها التي جعلت من المدرب والمدير الفني كبش فداء وشماعة تُعلق عليها أخطاءها، فمع كل إخفاق تتخذ إدارات تلك الأندية قرارات متسرعة بإلغاء عقود المدربين واستبدالهم بآخرين، حتى أصبح المدرب يُفكر ألف مرة قبل أن يقبل بتدريب أي فريق سعودي، فهو يعلم جيداً بأنه سيعود إلى بلاده مع أول إخفاق لفريقه. في الموسم الماضي أشرف على فرق دوري "زين" تدريبياً 29 مدرباً، إذ تناوب على تدريب بعض الفرق أربعة مدربين في ذات الموسم وهو رقم كبير يؤكد بأن هنالك خللا في الفكر الإداري الذي تنتهجه معظم الأندية السعودية، وتعتبر فرق الفتح والشباب والفيصلي وحدها من حافظت على مدربيها من بداية الموسم وحتى نهايته فكانت النتيجة تتويج الفتح بدوري "زين"، وتأهل الشباب إلى الدور ربع النهائي من دوري أبطال آسيا، ونجاة الفيصلي من شبح الهبوط إلى دوري الدرجة الأولى "ركاء". الفرق ال14 التي ستخوض دوري "جميل" في الموسم المقبل ثمانية منها فقط احتفظت بمدربيها في الموسم الماضي، وإن كان عدد منهم لم يدربوا تلك الفرق إلا مع نهاية الموسم، فيما سيتواجد ستة مدربين جُدد ثلاثة منهم يُدربون لأول مرة في الملاعب السعودية وهم مدرب الأهلي البرتغالي بيريرا، ومدرب التعاون الجزائري توفيق روابح، ومواطنه مدرب الرائد نور الدين زكري، أما الثلاثة مدربين الآخرين فسبق لهم وأن تواجدوا في الملاعب السعودية كمدربين وهم مدرب الهلال الوطني سامي الجابر ومدرب النهضة الروماني بلاتشي ومدرب الاتفاق الألماني بوكير. المدربون الثمانية الذين أبقت عليهم إدارات أنديتهم هم مدرب الفتح التونسي فتحي الجبال، ومدرب الشباب البلجيكي برودوم، ومدرب النصر الأرجوياني كارينيو، ومدرب الاتحاد الأسباني بينات، ومدرب الفيصلي البلجيكي مارك بريس، ومدرب الشعلة التونسي أحمد العجلاني، ومدرب نجران المقدوني جوجيكا، ومدرب العروبة التونسي جميل بلقاسم. المدرسة الأوروبية كان لها نصيب الأسد بتواجد سبعة مدربين من القارة العجوز يُشرفون على فرق الشباب (البلجيكي برودوم)، والاتحاد (الأسباني بينات)، والأهلي (البرتغالي بيريرا)، والفيصلي (البلجيكي مارك بريس)، ونجران (المقدوني جوجيكا)، والنهضة (الروماني بلاتشي)، والاتفاق (الألماني بوكير). بينما سيتواجد خمسة مدربين من عرب القارة الإفريقية ثلاثة منهم من تونس وهم مدرب الفتح (فتحي الجبال)، ومدرب الشعلة (أحمد العجلاني)، ومدرب العروبة (جميل القاسم)، ومدربان جزائريان هما مدربا قطبي القصيم التعاون والرائد (توفيق روابح ونور الدين زكري). ولعل اللافت للأنظار هو غياب المدرب البرازيلي عن الملاعب السعودية إذ لن يتواجد أي مدرب برازيلي في الموسم المقبل، ويُعتبر مدرب النصر الأرجوياني كارينو وحده ممثل المدرسة اللاتينية. المدرب السعودي سامي الجابر وحده من سيحمل لواء المدربين الوطنيين من خلال تدريبه الهلال للمرة الثانية بعد أن قاد الفريق في وقت سابق بصورة مؤقتة. ويُعتبر مدرب الفتح التونسي فتحي الجبال أكثر المدربين المعمرين في الملاعب السعودية إذ سيقود فريقه للموسم السابع على التوالي وهو رقم قياسي جديد إذ لم يسبق لأي مدرب في الدوري السعودي الممتاز أن بقي على كرسي التدريب طوال هذه المدة، ويأتي بعده مدرب الشباب البلجيكي ميشيل برودوم الذي سيدرب فريقه للموسم الثالث على التوالي، ثم مدرب الفيصلي البلجيكي بريس للموسم الثاني. نتمنى أن تكون خيارات إدارات الأندية السعودية في مكانها فعلاً وأن تكون قد جلبت مدربين مميزين لقيادة فرقها في المسابقات المحلية والخارجية خلال الموسم المقبل، في المقابل على إدارات أنديتنا أن تعلم بأن المدرب بحاجة إلى وقت حتى يتعرف على إمكانيات فريقه ولاعبيه جيداً فالمدرب بشر لا يمتلك عصا سحرية يعرف بها الفريق كاملاً بين ليلة وضحاها، فمتى ما أدركت إدارات الأندية ذلك ستطبق تجربة إدارة الفتح بالإبقاء على التونسي فتحي الجبال بحذافيرها، لمَ لا والفتحاويون ضربوا مثالاً في الاحترافية وقدموا درساً لبقية الأندية من الظلم للنفس ألا تستفيد منه تلك الأندية وتطبقه خصوصاً التي لديها إمكانيات مادية، فالتجربة الفتحاوية نجحت بدون أي إمكانيات مادية، فكيف سيكون الحال لو اجتمع الاستقرار الفني مع المادة والمحفزات المالية للاعبين ومنسوبي الفريق؟. جماهير الأندية تتحمل على عاتقها مسؤولية غياب الاستقرار الفني، لأن عند تلقي الفريق لخسائر متكررة فأول ما تنادي به هو رأس المدرب إذ تبدأ المطالبات الموجهة للإدارة بإلغاء عقده والتعاقد مع مدرب آخر، وكأن مشكلة الفريق ستنتهي هنا وستتغير نتائجه بعد قرار إقالته مباشرة، مسؤولو الأندية أكاد أجزم بأن أغلب قراراتهم التي تخص إلغاء عقود المدربين سببها الأول هو المدرج، فإما أن يكون قرار التخلي عن المدرب والتعاقد مع آخر استجابة للضغوطات والمطالبات الجماهيرية أو أن يكون القرار لامتصاص غضب تلك الجماهير وبعث رسالة لها بأن إدارة النادي عملها جيد والعلّة في المدرب وحده، ولعل الغريب أن بعض الجماهير تقع في هذا الفخ من خلال موافقتها لقرار الإدارة وأن المدرب هو المتسبب في تراجع نتائج الفريق. تلك الجماهير لن نضرب لها مثالاً من الملاعب الأوروبية ونقول لها شاهدوا مدرب مانشستر يونايتد السير فيرجسون كم عاماً درب المان يونايتد بل ندعوها إلى أن تأخذ تجربة الإدارة الفتحاوية مع التونسي فتحي الجبال بعين الاعتبار، الفتحاويون صبروا عليه في أول المواسم وبعد ستة مواسم من العمل والاستقرار فرحوا بالحصاد من خلال التتويج بلقب الدوري السعودي.