أجمعت الأوساط السياسيّة اللبنانية أنّ اللهجة القاسية التي توجه فيها سفير المملكة علي عواض عسيري تجاه "حزب الله" قبل زيارته للعماد عون في الرابية "تحمل دلالات سياسية واضحة على خلفيّة معارك عبرا الأخيرة، وهي امتداد طبيعي لسياسة المملكة التي شجبت بقوة تدخّل "حزب الله" في الحرب السورية". وقد أثار اللقاء الذي عقده السفير عسيري مع العماد ميشال عون في الرابية بناء على دعوة الأخير وتخلله غداء بحضور وزير الطاقة والمياه جبران باسيل تساؤلات جدّية حول العلاقة المتوترة بين عون و"حزب الله" والتي شهدت أخيرا مدّا وجزرا على خلفيّة ملفي رفض التمديد للمجلس النيابي ولقائد الجيش والتي لم يؤازر فيهما الحزب حليفه المسيحي. وقال مصدر عوني مسؤول في "التيار الوطني الحرّ" ل"الرياض" إنّ " اللقاء كان وديّا وقد ثمّن العماد ميشال عون مواقف خادم الحرمين الشريفين ودعمه المستمرّ والتاريخي للبنان". وعن معاني هذا الانفتاح السياسي للتيار الوطني الحرّ وهل يعني "فكّ ارتباط" مع "حزب الله" قال المصدر العوني المسؤول:" " طالما قامت المملكة العربية السعودية بدعم لبنان عموما والمسيحيين خصوصا وهذا ما نثمنه، كما نقدّر كثيراً الكلام المستمر لسفير المملكة في بيروت عن تشبّث المملكة باستقرار لبنان وبالتأكيد أنه سيحصل تموضع في موقعنا إذ لن نبقى جامدين ومقيدين كما في المرحلة السابقة". من جهته ردّ السفير عسيري ل"الرياض" على سؤال حول إمكانيّة تأثير هذا الانفتاح على العلاقة مع الحلفاء اللبنانيين الآخرين فقال: " إنّ التواصل مع العماد عون لن يؤثر على علاقة المملكة ببقية الأطراف وهي على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، والزيارة تقرّب وجهات النّظر بين الفرقاء السياسيين لأننا دعاة سلام ووحدة واستقرار للبنان ولكل اللبنانيين وكلّ ما نأمله ونكرره في لقاءاتنا هو أهمّية وحدة الصّف اللبناني بين المسيحيين والمسلمين بما يؤمّن حصانة لبنان وقوته". وكان عسيري عبّر قبيل لقائه عون عن مخاوف " المملكة العربية السعودية الجدية من المشاكل المتنقلة بين المناطق اللبنانية من طرابلس الى عكار وعرسال وصيدا والتي لها ارتباطٌ مباشر بتدخل "حزب الله" في الأحداث السورية"، وقال السفير عسيري:" إنّ هذه المخاوف تُنذر بعواقب سلبية إذا لم يتم تدارُك مسبِّباتها ، ومن المصلحة العامة أن يعيدَ "حزبُ الله" النظرَ في السياسة التي يتبعها تُجاه الطائفة السنيّة والطوائف الأخرى لأنّ اللبنانيين محكومون في نهاية المطاف بالعيش معاً وعلى "حزب الله" توسيع مساحات الحوار والتقارب بدلاً من أخْذ الأمور باتجاه المزيد من التوتير والتفرقة خشية دخول البلاد في نفق مظلم". واعتبر عسيري أنّ "الممارسات التي يقوم بها "حزب الله" بحق لبنان واللبنانيين تزيد من الانقسام وتعرِّض البلاد لأخطار لن تكون الطائفة الشيعية بمنأىً عنها لأن الكثيرين من أبناء هذه الطائفة الكريمة وعلمائها وشريحة كبيرة من اللبنانيين من مختلف الطوائف لا ترضى بتصرفات الحزب داخل لبنان وخارجه". ورأى عسيري انَّ هذه المرحلةَ الدقيقةَ التي يمرُّ بها لبنان تتطلب قدراً كبيراً من الحكمة والتبصر وأن يتمَّ إفساحُ المجال للحكماء من كافة الطوائف ليقوموا بدور انقاذي يساعد في لجم الاحتقان والتوتر وإيجاد المخارج المناسبة للأزمة، مؤكَّداً أنّ على الإعلام مسؤوليةً كبرى في هذا الإطار للعمل على إراحة الساحة الداخلية والابتعاد عن التجييش المذهبي والطائفي". وأكد سفير المملكة أنّ دعوته هذه "تنطلق من حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله على استقرار لبنان ووحدة شعبه وأنّه ليس من هدف لسياسة المملكة العربية السعودية تُجاه لبنان سوى أن ينعم هذا البلد الشقيق بالأمن والأمان وهي من منطلق الأخوّة تدعو أبناءَه إلى التنبه للمخاطر التي تهدد أمنهم ووحدتهم وعيشهم المشترك فهي ضروراتٌ أساسية لبقاء لبنان وطناً للتعددية والتنوع والتضامن الوطني والإنساني".