جاء قرار هيئة كبار العلماء ذو الرقم( 26 ) وتاريخ 21/8/1394 ه ليساعد القاضي في حل قضايا النشوز، ونص القرار كما يلي: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فبناء على ما تقرر في الدورة الرابعة لهيئة كبار العلماء من اختيار موضوع النشوز ليكون من جملة الموضوعات التي تعد فيها اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحوثاً - أعدت في ذلك بحثاً، وعرض على مجلس هيئة كبار العلماء في الدورة الخامسة المنعقدة بمدينة الطائف فيما بين الخامس من شهر شعبان عام 1394ه والثاني والعشرين منه. وبعد اطلاع المجلس على ما أعد من أقوال أهل العلم وأدلتهم ومناقشتها، وبعد تداول الرأي في ذلك قرر المجلس بالإجماع مايلي: أن يبدأ القاضي بنصح الزوجة، وترغيبها في الانقياد لزوجها، وطاعته، وتخويفها من إثم النشوز وعقوبته، وأنها إن أصرت فلا نفقة لها عليه، ولا كسوة، ولا سكنى، ونحو ذلك من الأمور التي يرى أنها تكون دافعة الزوجة إلى العودة لزوجها، ورادعة لها من الاستمرار في نشوزها، فإن استمرت على نفرتها وعدم الاستجابة عرض عليهما الصلح، فإن لم يقبلا ذلك نصح الزوج بمفارقتها، وبين له أن عودتها إليه أمر بعيد، ولعل الخير في غيرها ونحو ذلك مما يدفع الزوج إلى مفارقتها، فإن أصر على إمساكها وامتنع من مفارقتها، واستمر الشقاق بينهما بعث القاضي حكمين عدلين ممن يعرف حالة الزوجين من أهلهما حيث أمكن ذلك، فإن لم يتيسر فمن غير أهلهما ممن يصلح لهذا الشأن، فإن تيسر الصلح بين الزوجين على أيديهما فبها، وإلا أفهم القاضي الزوج أنه يجب عليه مخالعتها، على أن تسلمه الزوجة ما أصدقها، فإن أبى أن يطلق حكم القاضي بما رآه الحكمان من التفريق بعوض أو بغير عوض، فإن لم يتفق الحكمان، أو لم يوجدا وتعذرت العشرة بالمعروف بين الزوجين نظر القاضي في أمرهما، وفسخ النكاح حسبما يراه شرعا بعوض أو بغير عوض. والأصل في ذلك الكتاب والسنة والأثر والمعنى: أما الكتاب : فقوله تعالى:"لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروف أو إصلاح بين الناس" ويدخل في هذا العموم الزوجان في حالة النشوز، والقاضي إذا تولى النظر في دعواهما . وقوله تعالى:"وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما" الآية(4)، وهذه الآية عامة في مشروعية الأخذ بما يريانه من جمع أو تفريق بعوض أو بغير عوض. وقوله تعالى: "ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به" وأما السنة: فما روى البخاري في [ الصحيح ] عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما - قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق، إلا أني أخاف الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فردت عليه، فأمره ففارقها. وقوله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار فهذا يدل بعمومه على مشروعية الخلع عند عدم الوئام بين الزوجين وخشية الضرر. وأما الأثر: فما رواه عبدالرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عباس قال: بعثت أنا ومعاوية حكمين، قال معمر: بلغني أن عثمان بعثهما، وقال: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا ففرقا، ورواه النسائي أيضا. وما رواه الدارقطني من حديث محمد بن سيرين عن عبيدة قال: جاء رجل وامرأة إلى علي مع كل واحد منهما فئام من الناس، فأمرهم، فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، وقال للحكمين: هل تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا فاجمعا، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي، وقال الزوج: أما الفرقة فلا، فقال علي: ( كذبت والله لا تبرح حتى تقر بمثل الذي أقرت به). وما أخرجه الطبري في [ تفسيره ]، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الحكمين أنه قال: (فإن اجتمع أمرهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز). وأما المعنى: فإن بقاءها ناشزا مع طول المدة أمر غير محمود شرعا؛ لأنه ينافي المودة والإخاء، وما أمر الله من الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان، مع ما يترتب على الإمساك من المضار والمفاسد والظلم والإثم، وما ينشأ عنه من القطيعة بين الأسر، وتوليد العداوة والبغضاء. وصلى الله وسلم على محمد، وآله وصحبه.