فقدت وروعت الأمة والمجتمع بوفاة معالي الشيخ العالم الزاهد والتقي الورع وزير الدولة ورئيس شؤون الحرم المكي والمدني صالح الحصين غفر الله له وأجزل له المثوبة فلا شك أن هذا الرجل الخير والشخصية الفذة لهو نموذج فاضل لسيرة السلف الصالح الذي يندر أن يتكرر مثله تقى وصلاحاً وزهداً في كل المجالات التي عايشها وكلف بها. لقد قدر لي أن أتعرف إلى هذا الرجل الفاضل بأواسط الثمانينات من القرن المنصرم الهجري بتاريخ 1385/12/4ه حيث كان في بداية حياته العلمية والإدارية في الرياض ثم تعددت اللقاءات والمناسبات الاجتماعية إلى أن جمعتنا الصدف في رحلة من الرياض إلى جدة في عام 1385ه وهي أول زيارة لي في جدة وسكنا سوياً في فندق البحر الأحمر وكانت أياماً حافلة بشتى صنوف الحديث في الفقه والأدب والتاريخ فالرجل موسوعة تاريخية فقهية أشاد به الكتاب ومحبوه الذين عاصروه في كثير من اللجان والمؤسسات الحكومية. ولا أريد الإطناب والاسترسال فقد حفلت بعض الكتابات بالإشادة بعقليته القوية وسيرته العطرة ثم تتابعت اللقاءات في مناسبات اجتماعية كان آخرها في أحد غرف الحرم المكي الشريف قبيل الإفطار مع بعض الإخوة حيث تناولنا الإفطار معه وصلينا المغرب والعشاء والتهجد والتراويح في العشر الأواخر من رمضان كان يتخلل هذه الجلسات الطيبة مع معاليه بعض المناقشات العلمية الدقيقة ويكفيه فخراً تبنيه للمصرفية الإسلامية فهو من أوائل من نادى بالعمل فيها وتطبيقها في البنوك فهو رائد من روادها الكبار ومن فقهائها المتبحرين والعمالقة الذين لهم قدم راسخة في هذا الميدان الفقهي وكان يشيد بتجربة ماليزيا والأردن في المصرفية الإسلامية حيث إنهم سبقونا إلى تبنيها وتفعيلها إلى حيث الواقع. ولا أريد الاسترسال في رصد محطات حياته العملية الكثيرة والمتعددة فله بصمات واضحة للعيان فكل عمل وكل إليه أثبت فيه نجاحاً باهراً ولكن أود الإشادة إليه في هذه المقالة أن مجتمعنا هذا يفتقر إلى مثل هذا النموذج والمثالية مثل معالي الشيخ صالح رحمه الله على ترفعه وزهده وبعده عن التكالب لأجل المصالح الدنيوية المادية ومظاهر التزلف والمباهاة والادعاء بل إنه خط لنفسه مدرسة مثالية في التقشف وحب الخير والمساعدة للمساكين والمحتاجين في وسط مجتمع مادي يركض وراء المصالح الشخصية وتحقيق مكاسب أكبر في الاستحواذ على غارات النهب والاستغلال غير المشروع في الإدارات والمصالح الحكومية حيث مازال مسلسل النهب والكسب غير المشروع في فساد بعض الأجهزة الحكومية التي تتعثر مشاريعها أو تنتج بمواصفات رديئة سرعان ما يدب فيها الخراب والفساد. ولقد أردت بهذه المشاركة اليسيرة أن نسترشد وأن نوصي أجيالنا ومسؤولينا الكرام باقتفاء هذه السيرة الصالحة المعطاءة وما أثرى به تلك الأجهزة والمصالح بالعديد من الإنتاج الغزير الوافر صدقاً وصلاحاً وفقهاً وسيرة عطرة. إن ما أوصى به بعض الإخوة من جمع إنتاجه ورصده ليكون نموذجاً سامقاً في التعامل وخلق وزرع المبادئ الفاضلة في وسط مجتمع مترع بالأشواك رحم الله الشيخ صالح جزاء ما قدمه لنفسه وأمته وما خطه لنفسه هذا المنهاج السوي الخير وألهم مسؤولينا باقتفاء سيرته ومنهاجه فله منا الدعاء له بالمغفرة والرحمة وأن الزمان بمثله لبخيل. والله الموفق..