لو قرأت أي خبر من الأخبار التي تنشر عبر وسائل الاعلام تسجل واقعة عنف أسري أو حالة إيذاء جسدي، لوجدت الخبر يصف بدقة حالات الإيذاء الاجرامية بتفاصيلها من تعذيب وحرق بسجائر وضرب ينتهي بالقتل.. ويمضي الخبر لينفي عن المعنف صفة إدمان المخدرات أو المرض النفسي وهما صفتان تتلازمان مع أخبار التعنيف التي تنشر في صحافتنا المحلية وكأننا نبررها أو كأننا لا نتوقعها من أي شخص ليس فيه هاتان الصفتان. وكأن كل معنف هو مدمن أو مريض نفسي وكل مدمن أو مريض نفسي هو معنف! أما صفة المرض النفسي فإن إدراجها ضمن هذه الأخبار تدل على عدم فهمنا الدقيق لمفهوم المرض النفسي وعلى عدم الوعي الإعلامي والاجتماعي بأساسيات المرض النفسي وكأننا نبحث عن تصانيف معينة بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى لأن التصنيف الجاهز يريحنا من البحث والتفكير في أحيان كثيرة، وهذا موضوع آخر لن أتطرق له هنا. لن أناقش تفاصيل الأخبار هذه التي تتكرر مهما اختلفت تفاصيلها. لكن سأناقش نظرتنا للعنف الأسري، وطريقة تعاملنا معه. فهذه إحدى المشاكل التي يعاني منها مجتمعنا مثله مثل أي مجتمع آخر فالعنف والتسلط الأسري لا ينحصران في الإيذاء الجسدي الذي ينتهي بالقتل، بل لهما صور كثيرة ودرجات، تبدأ بحرمان الطرف الأضعف في السلسلة الأسرية من حقوقه الأساسية، مثلا حرمان المرأة من حق التحرك، من حق العمل أو الدراسة، التسويف في إضافة الأبناء في بطاقة العائلة، عدم الاعتراف بالأبناء رغم وجود التحاليل المخبرية التي تثبت الأبوة، تهديد المطلقة بأبنائها، حرمانها منهم، حرمانهم من حق النفقة حرمانهم من حق التعليم، التسلط الذكوري على الأطفال والنساء، كلها صور من صور العنف التي يجب أن نواجهها كمجتمع يحرص على حماية أفراده. قد يظن البعض أن فكرة الحقوق الأسرية تشكل خطرا على مفهوم العائلة وعلى تماسكها، لكن في الحقيقة أن العنف والتسلط هما الخطر الذي يهدد أي تكوين عائلي ويهددان الاستقرار الأسري. العنف والإيذاء الجسدي قد يعتبره البعض حالات فردية، لكنهما حتى لو كانا كذلك فإنهما يجب أن يعاملا كظاهرة ويجب أن تستنفد الجهود لإيقافهما. قد يكون كلامي مكررا لكنه ردة فعل على هذه التصرفات التي تحتاج أن نتعامل معها بمسؤولية اجتماعية تتناسب مع شدتها ومع آثارها.