من المعروف أن التسلسل الهرمى يؤثر في عملية اتخاذ القرارات وقد تحدث مشكلة معينة ويوجد الحل لدى المرؤوس ولكنه تحت تأثير (حاجز السلطة) ينتظر الحل أو القرار من رئيسه حسب التسلسل الهرمي للسلطة. قوة هذا الحاجز أو ضعفه تختلف من بلد لآخر فهو منخفض فى السويد والنمسا وألمانيا، ومرتفع في بلجيكا وفرنسا (المتميزون / قصة النجاح / مالكوم جلادويل /جريرة) فى التسلسل الهرمي للسلطة يجب على المرؤوسين احترام وتنفيذ أوامر الرؤساء ولكن في بعض الحالات مثل قيادي الطائرات فإن حاجز السلطة اذا كان مرتفعاً قد يؤدي الى كارثة. كيف يمكن أن يحدث ذلك ؟ أجد الإجابة فى الكتاب الذي أشرت اليه فى السطور السابقه فقد توصل عالم النفس الألماني جيرت هوفستيد فى إحدى دراساته الى تحديد بعد ثقافي أطلق عليه اسم (حاجز السلطة) وهو حاجز يهتم بالتوجهات نحو التسلسل الهرمي للسلطة ومدى وجود فرق بين ثقافة وأخرى تجاه هذا الموضوع. ومن أهم الأسئلة المطروحة ذات العلاقة بحاجز السلطة:متى يكون المرؤوس غير قادر على التعبير عن عدم اتفاقه مع رئيسه؟ وما هي طريقته فى الاتصال؟ وما هي اللغة التى يستخدمها فى الأحوال العادية والأحوال الطارئة؟ يطبق مؤلف كتاب (المتميزون) مبدأ حاجز السلطة على قيادة الطائرات والعلاقة بين قائد الطائرة ومساعدة وتأثير هذه العلاقة على قيادة الطائرة وكذلك علاقة طاقم الطائرة ببرج المراقبة ولغة الاتصال المستخدمة بين الطرفين وهل لحاجز السلطة (مرتفعا أو منخفضا) تأثير على قيادة الطائرة؟ ونشير هنا الى مصطلح (الكلام المخفف) أو تلطيف الكلام فحين تكون الطائر فى مأزق فإن تلطيف الكلام مع برج المراقبة غير مفيد وكذلك لن تكون الطائرة فى مأمن اذا اكتشف مساعد الطيار خللا ولم يتمكن بما لديه من مهارات اتصال من اقناع قائد الطائرة، وأحد معوقات الاتصال فى هذه الحالة هو استخدام لغة مخففة لا تتناسب مع مستوى الحدث. يستشهد مؤلف الكتاب بقصة حقيقية لتوضيح مدى تأثير حاجز السلطة ومهارات الاتصال وهو الحادث الذي وقع للرحل 052 لشركة كولومبيان ايرلاينز أفيانكا فى يناير 1990 وهي حادث حسب رأي المؤلف تدرس فى مدارس الطيران. لن ندخل فى تفاصيل هذه الرحلة وما يهمنا هو أنه بسبب أحوال الطقس تم تأجيل هبوط هذه الرحلة ثلاث مرات لأكثر من ساعة، وعند السماح لها بالهبوط اضطر قائد الطائرة الى زيادة استخدام الوقود لمواجهة رياح معاكسة وبدأ الوقود ينفد وهنا يأتي دور مساعد الطيار فحين كان يتواصل مع برج المراقبة لم يبدأ بالعبارة الأهم وهي نفاد الوقود بل جعلها فى نهاية الكلام فقد قال : إننا على يمين واحد ثمانية صفر طبقا لخطة الرحلة وسوف نحاول مرة أخرى، ان الوقود ينفد منا. لاحظ متى تحدث عن نفاد الوقود. حالة مساعد الطيار هذه تشبه حاله الموظف الذي يدخل الى مكتب رئيسه ويسلم عليه ويسأله عن أخباره ويتبادل معه الحديث ثم يقول له : اليوم شب حريق فى المستودع وقد يكون فيه مواد خطرة. يفترض هنا البدء بالأخبار السيئة ويجب تجاوز حاجز السلطة وعدم التردد فى إبداء الرأي وتقديم الحلول. وكما يشير مؤلف الكتاب الذي نستعرضه اليوم فإن عبارة (ةالوقود ينفد مناة) ليس لها معنى فى مصطلحات مراقبة المرور الجوي فكل الطائرات عندما تقترب من المكان الذي تقصده تكون نافدة الوقود وهذا طبيعى فهل كان مساعد الطيار يقصد أن الطائرة لا تستطيع الوصول الى مطار آخر بديل؟ هل كان يقصد أنه بدأ يشعر بالقلق بسبب الوقود؟ هنا تكمن أحد معوقات الاتصال وهو في هذه الحالة الطارئة كما يسميه المؤلف (الكلام المخفف) وهو اسلوب يستخدمه المرؤوس أحيانا مع رئيسه حتى في الحالات الصعبة وهو اسلوب قد يؤدي الى مشكلة أو كارثة..