أجبر برج المراقبة الأرضية في مطار كيندي رحلة الطيران رقم 52 التابعة لشركة طيران «آفيانكا إيرلاينز» على الدوران فوق أرض المطار نظراً لسوء الطقس وازدحام المسارات الجوية، الأمر الذي أوشك معه وقود الطائرة على النفاذ، ما استدعى قائد الرحلة أن يصدر أوامره لمساعده بإعلان «حالة الطوارئ» للمراقبة الأرضية، وعليه فقد أرسل مساعد القائد رسالة إلى برج المراقبة يعلن فيها نفاذ الوقود ولكن دون أن يذكر كلمة «الطوارئ» بالتحديد، وهي الكلمة التي كانت ستوضح خطورة الوضع الذي لا يحتاج إلى تأخير، ونتيجة لذلك ارتأت المراقبة الأرضية أن تعطي الأولوية بالسماح للهبوط لطائرات أخرى قبل الطائرة 52، ولما استفسر قائد الرحلة للتأكد من مساعده إن كان الاتصال مع البرج الأرضي قد حصل، أجاب المساعد: «نعم يا سيدي ..لقد أخبرتهم»، الوضع المتأزم الذي لم تمر عليه سوى لحظات حتى انتهى باحتراق أربعة محركات هوت بالطائرة على الأرض، فالذي حصل أنه عندما تعطلت المحركات تماماً، قرر القائد الهبوط من فوره، ولكن البرج حينها كان مصدراً تعليماته لطائرة أخرى قادمة دخلت في الاستعداد النهائي للهبوط، ما اضطر قائد الرحلة 52 إلى الهبوط بطائرته على طريق ضيق يؤدي إلى أحد الخلجان تسبب في اصطدامها بصف من الأشجار على جانبي الممر أدى إلى مصرع 73 شخصاً من بين 158 آخرين كانوا على متنها. كلمة أخيرة: يعتمد النجاح في التفكير على الوضوح، وهو المعيار الأهم في معايير التفكير العبقري، فبدون هذا الوضوح ينحدر التفكير إلى مستنقع الغموض والارتباك، ومثلما تؤدي اللغة المبهمة غير الواضحة إلى سوء التواصل، كذا هي الأفكار المضطربة المتشتتة التي من مهمتها أن تفضي بدورها إلى سوء الإدراك، وبالتالي - وكنتيجة طبيعية - إلى إصدار الأحكام غير الدقيقة، وقد كان من الممكن لهذا الوضوح لو وجد منذ البداية أن ينقذ أرواح الكثير من البشر عندما دخلت الرحلة المجال الجوي لمدينة نيويورك وبها من الوقود ما يكفي لبقائها في الجو لمدة ساعة فقط، وبدلاً من عبارة «الوقود ينفذ منا» التي نطق بها مساعد الطيار، كان الأولى به أن يعلن حالة «الطوارئ» التي تعيشها طائرته فتصل الرسالة على فورها، وتحصل الطائرة على أولوية الإذن بالهبوط. على كل، تعمل مشاعرنا على دعم ميولنا التي تفضل التركيز على ما نرغب في رؤيته، وليس على ما نحتاج إلى رؤيته، فعلينا أن نتنبه إلى أننا لن نستطيع الوصول إلى الإدراك الواضح في حل مشاكلنا لو سمحنا لأحد المشتتات الانفعالية بالتسلل خلسة إلى تفكيرنا، علماً بأن أكثر الأسئلة بساطة غالباً ما تؤدي إلى أكثر الاستبصارات عمقاً، تماماً كما أن نجاح الخطط البعيدة يلزمه عادة مشكلات قصيرة المدى نعرف كيف نحلها أولاً. وقالوا: «البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه .. دون من يبصره» المهلّب. [email protected]