ما هي إلا أيام أو أسابيع وتبدأ جامعاتنا في زف أعداد كبيرة من الخريجين إلى سوق العمل، أو مواصلة الدراسات العليا داخل المملكة وخارجها. الأعداد بعشرات الآلاف، والتخصصات كثيرة وتغطي معظم الحقول والمجالات، ولكن ماذا عن طبيعة ومستوى هذه الطاقات الشابة التي نعول، بعد الله، عليها في أن تكون معول بناء ولبنات تطوير لهذه البلاد وأهلها. لا أتحدث هنا عن جامعة بعينها، ولا عن تخصص بذاته، وإنما هي ظاهرة أكدها لي أكثر من زميل يعمل في حقل التدريس الجامعي، وقد رأيتها واضحة خلال مشاركتي في هذا التدريس. إنها ظاهرة ضعف المستوى وقلة التحصيل العلمي لدى طلاب الجامعات، حتى ممن هم على أبواب التخرج. لا نجد الواحد منهم يكلف نفسه عناء البحث أو الدراسة أو التعرف على ما يحيط به، حتى في مجال تخصصه. الأمثلة على ذلك كثيرة ومنها أن أحد الأساتذة سأل طلابه في قسم الإعلام عن (أسماء ثلاثة من وزراء الإعلام في المملكة) أجاب عشرة في المائة فقط إجابات صحيحة. أما الآخرون فكانوا بين ترك السؤال بلا إجابة لعدم المعرفة، وهو أخف إيلاماً من قيام بعضهم بكتابة أسماء ثلاث صحف محلية أو أسماء مثل (خالد الفيصل، غازي القصيبي، نقشبندي، العيسى). كيف لطالب إعلام أوشك على التخرج لا يعرف اسم وزير الإعلام في بلاده. في سؤال آخر أجاب البعض بأن قسم الديكور من أهم الأقسام في الإذاعة، وأن إدارة التصوير من المسميات الموجودة في الإذاعة والتلفزيون. نحن هنا أمام مشكلة هي (ضعف التأسيس). مشكلة لا بد من العمل على حلها ولو استغرق منا ذلك سنين طويلة. الطالب في مرحلة الدراسة الأولى لديه ضعف في التكوين والثقافة والكتابة ويحمل معه هذا الضعف إلى مقاعد الجامعة. شروط القبول في الجامعات وفي كل التخصصات. لا بد لها أيضاً من إعادة نظر. لا ندع المعدل هو المعيار في القبول مما يدفع الطلاب إلى الالتحاق بأقسام لا رغبة لهم فيها وبالتالي يكون همه وتفكيره مُنصبّاً على الحصول على الشهادة بغض النظر عن التحصيل. بلادنا في حاجة إلى من ينهض بها، وخير من يفعل ذلك هو أبناؤها، والمسؤولية هنا مشتركة بين البيت والمدرسة والجامعة والطالب نفسه. لا نريد من طلابنا أن يضعوا أنفسهم في دائرة مغلقة غير ملمين بما يدور حواليهم. نريد فتياناً تنبض قلوبهم وأرواحهم بطلب المعرفة والإصرار على التحصيل بأعلى درجاته. في حديثي لا أقصد التعميم، ولا يمكن أن أغفل أن هناك نماذج يشار إليها بالبنان في كل حقول العلوم والمعارف. هذه النماذج لا نريدها أن تكون الاستثناء، وإنما الأصل والغالبية. إنها نماذج تثبت أن لا شيء مستحيل متى ما توفرت الإرادة وحسن التكوين والرعاية والاهتمام.