ما يجري اليوم في لبنان من حزب الله على فرض وصايته بالقوة، يكرس أمرا واقعا جديدا. كان حسن نصرالله يشعر بالزهو وهو يتحدث بأسلوب استعلائي وبلغة القوة، لتنكشف الحقيقة، في ان ما يصنعه في لبنان هو انقلاب على الشرعية وتنفيذ أجندة إيران على حساب الوطن اللبناني وصف سعد الحريري حزب الله بأنه لا يؤمن بوجود دولة في لبنان، وهو محق في ذلك ومضى يقول بأن الحزب يرى نفسه محل الدولة. إلا انني أرى أن سلوكه وقناعاته تتجاوزان ذلك. والحقيقة انني أتساءل ماذا بقي لحزب الله او "لحزب الشيطان" كما وصفه لي مسؤول خليجي كبير وبارز" لأنه يجب ألا نذكر لفظ الجلالة مع افعال هذا الحزب الشريرة والتي تتنافى مع سماحة الاسلام وقيمه.. أقول ماذا بقي له من إرث ليعتاش منه بعدما فعل كل ما فعل في سورية؟ وكنا قد وصفناه قبل سبع سنوات عندما احتل بيروت ووجه السلاح للصدر اللبناني بأنه حزب فوق الدولة وفوق القانون. صحيح ان تعليق الحريري جاء بعد الفضيحة المدوية للحزب بمشاركته في جريمة القصير غير ان الحزب سبق له ان ارتكب مجازر لا تقل بشاعة في لبنان. وهذا ما دفع المعارضة السورية للتأكيد بأن مشاركة الحزب في المعارك داخل سورية ليست سوى "إعلان حرب على الشعب السوري، وتزامن ذلك مع توجيه المعارضة اللبنانية المناهضة لنظام الاسد انتقادات حادة لهذا التدخل لما قد يسببه من انعكاسات على لبنان". الحريري كان مباشرا وواضحا ومحقا في رده على كلمة نصرالله عندما قال"انتم أيها اللبنانيون اذا أردتم ان تتقاتلوا فقد اخترع لكم السيد حسن فتوى عبقرية للتقاتل... يمكنكم ان تتقاتلوا فوق الارض السورية، ويمكنكم ان ترسلوا مشاريع القتلى والشهداء الى القصير وريف حمص". وأضاف "لقد أعلنت بفمك يا سيد حسن نهاية المقاومة في عيد المقاومة.. المقاومة اعلنت الانتحار السياسي والعسكري في القصير. لقد أخذت المقاومة الى الهزيمة في القصير، فبئس هذا القرار.. لقد حفرت في سورية وبدماء الاطفال والنساء والشيوخ من ابناء الشعب السوري.. ولا شك انك ابدعت في التحريض المذهبي والطائفي كما لم تبدع من قبل. لكن يبقى ان نقول لك ان زمن المتاجرة بفلسطين والمقاومة، زمن المتاجرة بالوحدة الوطنية قد انتهى". حديث الحريري يذكرني بما ذكرناه آنذاك من ان البعض شبه سيطرة حزب الله على بيروت بسيطرة حماس على غزة. كنا نحترم دور حزب الله المقاوم عندما وجه سلاحه لإسرائيل، وقد نجح في مرحلة من المراحل، غير ان الشعور بالعظمة ولذة السلطة وتقديس مرجعية المرشد للاسف جعلت من الأمر واضحا في عدم تغليب حزب الله لمصلحة لبنان. إن ما يجري اليوم في لبنان من حزب الله على فرض وصايته بالقوة، يكرس أمرا واقعا جديدا. كان حسن نصرالله يشعر بالزهو وهو يتحدث بأسلوب استعلائي وبلغة القوة، لتنكشف الحقيقة، في ان ما يصنعه في لبنان هو انقلاب على الشرعية وتنفيذ أجندة إيران على حساب الوطن اللبناني، فضلا عن كونه إهانة للشعب اللبناني، وانتقاصا من شرعية الدولة وسيادتها، ناهيك عن تلطخ ايدي أفراده بدم السوريين. ولعل جروح الذاكرة لا تلبث ان تنزف بتساؤلات ازاء الطرف الذي يعطّل المؤسسات الدستورية، ومن هو الذي يكرس دائما الفراغ الدستوري؟ ومن يخلق عادة هذا الاحتقان؟ ومن جعل التأزيم شعاراً للبنان؟ ومن قلص الدور العربي او لنقل من غيبه؟! إن من يتأمل خطاب حسن نصر الله سيجد إجابات لهكذا تساؤلات مشروعة. ولكي نمضي الى المزيد من التحليل، نقول إن الساحة اللبنانية مفتوحة ولازال حزب الله يمعن في ممارساته العدوانية وإضعاف سيادة لبنان بتورطه في قتل الشعب السوري الامر الذي دفع سنة لبنان للتحرك فهذا الشيخ السلفي السني أحمد الأسير وخلال لقائه مع انصاره في مدينة صيدا اعلن عن تأسيس كتائب المقاومة الحرة. وأصدر فتوى شرعية توجب "على كل مسلم من داخل لبنان ومن خارج لبنان ان يدخل الى سورية للدفاع عن اهلها ومساجدها ومقاماتها الدينية لا سيما في القصير وفي حمص". وقال "إننا لمسنا ان حزب ايران يتدخل دائما عسكريا، والآن بدا واضحا للجميع خطورة تدخل حسن نصرالله وشبيحته داخل سورية.. وذبح الناس المستضعفين هناك". والحقيقة ان الكثير من المتابعين يعتقدون ان قتال الحزب مع النظام السوري دليل على محاولاته للاستفادة من واقع سياسي جديد بسقوط الاسد للاستيلاء على اراض جديدة. على ان العرب لا ينفكون ومنذ زمن في التأكيد على حماية لبنان من الهيمنة الإيرانية والسورية ويدافعون عن حقه في السيادة والاستقلال. ولذا مع تأزم الوضع في الداخل اللبناني تجد السعودية بأنها تدعو الجميع الى الوفاق وترسيخ السلم الاهلي. لقد كانت المملكة على الدوام الى جانب لبنان ماديا ومعنويا، ودعمت جميع اللبنانيين من خلال إعمار لبنان وتحقيق المصالحة السياسية بدون تفرقة او تمييز، وحاولت تجنيبه الانجرار الى حرب أهلية، ورغم انها تعرضت إلى حملة شعواء والى افتراءات من البعض، إلا انها قابلت هذه الإساءة بالصبر والحلم، فبقيت على مسافة واحدة من الجميع، لأن مرادها هو ان ترى لبنان مستقلا آمنا ذا سيادة. ان سلوك حزب الله من شعور بالعظمة وغطرسة واستقواء بالخارج سيدفعه في نهاية المطاف الى الانهيار إن لم يكن الانتحار رغم دعم طهران وقلق إسرائيل بسقوطه لأنه سيكون ثاني مسمار يدق في نعشها بعد إسقاط النظام السوري الحامي لحدودها اربعة عقود.. والأيام حبلى بكل تأكيد..!