تعددت مسميات الكائن البحري القشري بين "السلطعون" و"الكابوريا" و"أبو جلمبو" ضمن مسميات عدة.و لكن هذا الكائن الذي يمشي بشكل منحرف يفكر ايضا بشكل منحرف، وبالتالي اصبحت سلوكياته الجماعية صفة تطلق على سلوكيات بعض البشر خاصة في التجمعات ذات التفكير المنحرف. واقصد بالتفكير المنحرف هنا - حتى لا ينحرف البعض نحو تفسير آخر- هو تعطيل قدرات الفرد عن تحقيق النجاح بسلوك جماعي عقيم. وبالتالي اصبحت اعراض عقلية الكابوريا الجماعية مرضا اداريا في عصر الابداع والتميز الفردي. شرح لي احد القيادات المميزة اكاديميا ان تلك العقلية موجودة في معظم الثقافات الانسانية والبعض تخلص منها والأخرى لا تزال تسحب افرادها الى قاع "الطشت". فالحكاية تقول عندما تضع مجموعة حية من الكابوريا في طشت لا يتجاوز ارتفاع جوانبه عن عشرين سنتيمترا فان تلك الكائنات لن تستطيع الخروج منه حتى وإن استطاعت الوصول الى حوافه. فكلما ارتفع واحد منها للخروج سحبه الآخر الى القاع. وتلك هي عقلية الكابوريا. ونسجت على هذا السلوك القصص وتم اسقاطها على الافراد وربما الشعوب والثقافات. ويعتقد كثير منا ان واقعنا العربي وربما المحلي مليء ب"طشوت الكابوريا"، وعلى قولتهم "خلك عود من عرض حزمه". ادرك بعض التربويين الامر عندما اكتشفوا ان سلوك الطلاب بعقلية الكابوريا لا يعطل التميز الطلابي فقط، وإنما يستدرج عقليات المعلمين الى قاع الطشت عن طريق إقناعهم بأن المستوى المتوسط من الابداع الفردي هو الحد الاقصى لقدرات طلابنا، وبالتالي إذا اردت ان تطاع فاطلب المستطاع. والمستطاع هو من قعر الطشت وليس من قمة الابداع. وزادت قناعتنا بأن التعليم التأسيسي هو بالحفظ كالنقش في الحجر، وبالتالي يأتي الطالب كصخرة محفور عليها بعض النقوش الاثرية، وليست كل اقسام الجامعة تجيد فك النقوش لعدم تخصصها في الآثار. الافراد الذين خرجوا سلفا من طشت الكابوريا هم من يستطيع فك نقوش نفسه او بالأحرى تكسير بعض الصخور المنقوشة في رأسه والبدء بالتعامل معها بنقش ذاتي وربما رقمي.. هؤلاء هم من تميز في معظم العلوم حتى الدينية. ولو تأملنا القصص القرآني لأدركنا ذلك. ولعل قصة سيدنا ابراهيم عليه السلام عن الخلق كان المبرر من ورائها هو "لكي يطمئن قلبي". والقصة نتيجة المواجهة مع عقلية القطيع عندما قبلت قول المدعي بأنه يحيي ويميت، فحاجّه ابراهيم. وبالعودة الى طشت الكابوريا والانزعاج الاكاديمي من تكاثرها يعود الى ان المرحلة الجامعية وما بعدها مرحلة تأسيس من نوع آخر تتمثل في اكساب المعارف والمهارات والتحفيز على التميز الابداعي والابتكاري فيها. ويشير هنا الى طبيعة وحجم الاحتفالية الاعلامية عند تميز بعض شبابنا خارج طشتنا بالمقارنة باحتفاليتنا بتميزهم محليا. فالداء وصل الى مفاصل عدة او بالاحرى اتسعت دائرة الطشت لتستوعب اعدادا اكبر من الكابوريا. وهنا لا بد من كسر روتين الاحتفاء عند الانجاز فقط، والبدء به عند اكتشاف المواهب. والبدء في تهيئة بيئة اكبر لابداعها بدلا من طشت الوظيفة التقليدية. فبعد التحفيز للابداع يسكن في قوقعة الوظيفة الضيقة على استيعاب الابداع.وهذا سلوك آخر للكابوريا خارج الطشت، فالواحد منها دوما يبحث عن قوقعة اكبر تستطيع استيعاب نموه ولكن دون الخلاص من القوقعة التي عليه. ولذلك نجد التنافس على قوقعة الوظيفة المتاحة للترقية بغض النظر عمن يستحقها بالجدارة، المهم انها متاحة. وفي النهاية طشت من نوع آخر لا يستطيع الخروج منه ولن يسمح لغيره بالخروج. اعتقد ان الفنان الراحل احمد زكي اجاد في فيلم كابوريا. واجاد في اداء كلمات الاغنية ان الكابوريا هي "للقزقزة" وبالتالي"اكل الكابوريا لا يعلى عليه". فلا تكن في طشت الكابوريا فيجرك احدهم للقاع او تنتظر من "يقزقزك ويمزمز"عظامك. فالجاهل هو من لا يعرف قدر نفسه.