ورد سؤال في اختبارات الثانوية العامّة لمادة اللغة الإنجليزية في مدارس شرق الإسكندرية بمصر يطلب من الطلاب ترجمة جملة منها: «في عالم الحيوانات، لايستطيع الخروف أن يكون قائداً». وأثناء المراقبة على الطلاب انتبه أحد المعلّمين إلى أنّ هذه الجملة ربّما تحمل مغزى ضمنياً للتعريض بشخصية كبيرة في البلد، وقاده تفكيره إلى اكتشاف أنّ وراء هذه الجملة تهكماً مدسوساً ويقصد به التعريض بالرئيس محمد مرسي من خلال هذه الجملة. ولأنّ هذا المعلم اجتهد في تأويله للمقصود من الجملة السابقة وبالتشاور مع زملاء آخرين يتّفقون معه في الرؤية اقتنعوا تماماً بأنّ المراد هو التعريض بشخصيّة الرئيس مرسي، ولم يعودوا إلى المنهج للتأكّد أنّ الجملة السابقة مُطابقة للمنهج أم لا، ولكنهم رفعوا شكوى سريعة ضدّ واضع الأسئلة، وقُبلت الشكوى وجرى التحقيق مع الأستاذ إيهاب السلماوي وهو مُوجّه مادة اللغة الإنجليزية في إدارة شرق الإسكندرية يوم 7 مايو الحالي لمعرفة ميوله السياسيّة. وقد أوضح لهم أنّ الجملة السابقة التي وضعها في الاختبار هي من المنهج وليس في ذهنه أيّ فكرة سياسية مرتبطة بذلك، ولكن الذين قاموا بالتحقيق كانوا من حزب الإخوان المسلمين وظلّوا يُشككون في أقوال الموجّه ويُحاولون تصيّد أيّ خيط من سيرته أو من تصرفاته أو أقواله يدعم التهمة ضدّه. وانتهت القضيّة بعدم ثبوت شيء ضد واضع الأسئلة، ولكن هذه القضيّة تُثير مجموعة من الأسئلة حول طريقة التفكير التي يستند إليها العقل المؤدلج، وهو ما نحاول مناقشته في الأسطر التالية. حينما يكون العقل خالياً من أيّ افتراضات سابقة فإنّه يرى الأحداث التي تحصل أمامه كما هي ويتعامل معها بشكل طبيعي ويراها بالألوان التي هي عليها؛ ولكن إذا تلوّن العقل بأيّ لون، فإن ذلك اللون ينطبع على أيّ حدث يحصل أمامه فيراه وفقاً للون الذي تلوَّن به ذلك الذهن. فالشخص الذي يضع في الذهن توقّعات معينة فإنه يراها أمامه حتى لو لم تحصل، يكون ذلك في التوقعات الإيجابية وفي التوقعات السلبية. فحينما يتم إيهامنا بأنّ الشخص الذي أمامنا ذكي وحكيم وله رؤية منطقية ومتوازنة في الحياة فإنّ أيّ تصرف يصدر منه ننظر إليه على أنه يُعبر عن الحكمة ورجاحة العقل حتى لو بقي ذلك الشخص صامتاً لايتكلم طوال الوقت، فإن عقولنا تجعل من هذا السلوك رمزاً دالا على ما في أذهاننا. ولكن هذا التصرّف نفسه لو صدر من شخص آخر تمّ إيهامنا بأنه رجل معتوه وأحمق فإنّ أي تصرّف يصدر منه سوف ننظر إليه على أنه أمر أخرق ومنه الصمت ذاته الذي فسرناه -مع شخص آخر- بأنه دليل على رجاحة العقل. وإذا كانت الحالة النفسية والعقلية للشخص تتحكم في مجرى تفكيره وفي طريقة تشكيل رؤيته للعالم، فإنّ كل حالة نمر بها سوف تجعل رؤيتنا للأمور محكومة بأطر محدودة يمكن التنبؤ بها، فلو افترضنا أنّ شخصاً مذنباً بذنب معين ويعتقد أن الناس قد عرفوا ذنبه، فإنه يُفسّر أي تصرّف من الآخرين على أنه مُوَّجه ضدّه؛ فإذا ابتسم له أحد شعر بأن هذه الابتسامة يُقصد بها الإساءة إليه، ولو تجهّم أحد في وجهه فإن لهذا التجهّم معنى في نفسه، وهكذا فإن عقله يضع التصرفات الصادرة من الآخرين على أنها تصبّ في خانة سلبية ضدة. ولو عدنا إلى الجملة التي وردت في الاختبار وحاولنا التعرّف على أي خيط يمكن أن يُشير ولو من بعيد إلى علاقة بينها وبين الرئيس مرسي لما وجدنا ذلك، وكل الذين حاولوا تلمّس أي صلة يحتمل وجودها بين العناصر الموجودة في الجملة، وبين الواقع لم يستطيعوا التثبت من شيء. ولهذا، فإنه ينظر إلى هذا الشك المبالغ فيه على أنه نوع من الخوف الشديد الذي يسيطر على عقول بعض المنتمين إلى الأحزاب السياسية، ويقودهم هذا الخوف إلى تفسير الأمور على أنها ضدّهم ويجدون بذلك تهديداً لمصالحهم فيحاولون القضاء على أي مصدر تهديد مفترض. والواقع أنهم بهذا التصرف إنما يدمرون أنفسهم، تماماً كالشخص الذي يعتقد أن الخروج من منزله تهديد له بالموت، فيبقى في البيت حابساً نفسه حتى يموت من الجوع..