إذا كنت من محبي كرة القدم وكنت متيماً عاشقاً لأحد الأنديه ستشعر في كل مباراة يلعبها فريقك برغبة ملحة للحضور والمؤازرة ودعمه بكل ما تملك من جهد وأن لا تقف خلف الشاشة مكتوف اليدين لا تعيش ما يعيشه الجمهور من أجواء ممتعة وحماس وتنافس وأن تكون مساهماً في فوز فريقك بعد توفيق الله ثم مجهود لاعبين كنت أنت الداعم الأول والمحفز لإبراز ما لديهم من إمكانيات لكن ذلك الشعور وفي رياضتنا لن تشعر به إلا نادراً لأنك ستجد أمامك تلك المبررات المقنعة التي تجبرك على الجلوس لمتابعة فريقك في شاشة التلفاز والانصياع لها ولن يراودك حينها إلى الشعور بالإحباط ! في أحد الأيام توجه نحوي شقيقي الأصغر متلهفاً ملأت ملامحه الحماسة طالباً مني أن أصطحبه لمباراة فريقه الذي يحلم يوماً برؤيته فوجدت نفسي حينها مرغماً على تلبية طلبه كونها ستكون الأولى وستكون خالدة في ذهنه لكن حينها تذكرت تلك الساعات الطويلة التي سنقضيها انتظاراً لبداية المباراة تحت أشعة شمس حارقة أو في أقسى درجات البرودة، تذكرت تلك الفئة التي تتفنن في إزعاج الناس كون أن المباراة لم تبدأ لتشغلهم عن ممارسة هوايتهم المفضلة، تذكرت تلك اللحظة التي تشعر فيها بالندم لحضورك المباراة وهي لم تبدأ لكونك قد قمت بتأجيل بعض الأعمال المهمة. وبنظرة سريعة على جسد أخي النحيل تذكرت تلك اللحظة التي تشعر فيها بالجوع والعطش ولا تجد ما هو مناسب لسد ذاك الجوع واستعادة نشاطك الذي فقدته لمجرد الانتظار طويلاً حتى تبذل مجهودك كاملاً في تشجيع فريقك والأهم من ذلك كله تذكرت تلك الصلوات التي لن تحظى بروحانيتها والخشوع فيها كما في بيوت الله، تذكرت ذلك التعامل المزعج من بعض رجال الأمن، تذكرت إزعاج تلك الطبول التي ترن في أذني قبل المباراة وأثناء المباراة حتى تكاد أن تشعر بفقدانك حاسة السمع وتذكرت تلك الفئه التي تأتي لمجرد أن تتراقص على أنغامها ! وبعد ذلك السيناريو المُحبط تأكدت بأن بيئة ملاعبنا غير صالحة لنا قبل أن تكون صالحة للصغار فما كان مني إلا أن أرفض طلبه وأنا كلي أمل وتفاؤل بأنه سيأتي ذلك اليوم الذين يكون فيه الحضور مناسباً للبشر وأن تضمن لهم الأنظمة حقوقهم وتضمن لهم مشاهدة ممتعة لعشقهم وفريقهم المفضل وعلى أرض الواقع لا أن يكون يومك طويلاً شاقاً مرهقاً! أنا هنا لا أطالب بالمستحيل كتحسين سلوكيات بعض المشجعين ولا يعد ذلك الأمر هو الهاجس الأكبر فأنا مؤمن تماماً بأن الكرة فنون وجنون وأن المتعة في جنونها قبل فنونها وأن الجمهور هو أساس الجنون لكن بحدود الأدب والأخلاق والمعقول وتحت سقف التنافس الشريف بين الجماهير لكني أُطالب بتحسين الأنظمة والقوانين لكي لا نفقد المتعة رقم واحد في عالم المستديرة والابتعاد عن المكابرة والاستفادة من الآخرين حتى نسير برياضتنا إلى الأمام لا إلى الوراء وأن لا نرتقي أبداً فكوننا نسير ببطء خير من أن نمشي خطوة واحدة للوراء !