ليس من قبيل المصادفة أبداً، أن يعتذر خادم الحرمين الشريفين"أيده الله" عن تسمية أول جامعة للبنات في المملكة، وأكبر جامعة للبنات على مستوى العالم، باسمه "حفظه الله" ويوجّه بتسميتها باسم (جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن) والأميرة نورة التي يعرف الجميع أنها الأخت الكبرى الشقيقة للملك عبدالعزيز "غفر الله له ورحمه"، وما لا يعرفه البعض عنها "رحمها الله" ما كانت تتسم به من أعلى درجات الحكمة ورجاحة العقل وحسن التدبير، وما حملته من قلب كبير اتسع للمحتاجين والأيتام، وقدرتها على حل مشكلات المحيطين بها إن التوجيه بتسمية الجامعة باسم هذه المرأة الجليلة، كان إشارة ورسالة لا تخفى غاياتها السامية، من الملك القائد، إلى الأمة بأسرها، أن المرأة يجب أن توضع في مكانها اللائق بها.. من داخل الأسرة المالكة وخارجها. كما حملت "رحمها الله" آراء وأفكاراً سياسية ذات شأن، وهو ما دفع شقيقها الملك عبدالعزيز إلى أن يردد دائما في مواقف بالغة الصعوبة تحتاج إلى جسارة وحكمة وسرعة اتخاذ القرار "أنا أخو نورة". أقول ليس من قبيل المصادفة أن يأتي التوجيه الكريم بتسمية الجامعة باسم هذه المرأة العظيمة، التي كان لها شأن في الرأي والحكمة وسياسة أمور الدولة، بدءاً من الخطوات الأولى لفتح الرياض، التي كانت بتحريض وتشجيع منها لشقيقها عبدالعزيز، أن يكون هذا التوجيه الكريم في نفس السياق الذي تأتي به القرارات الأخرى التاريخية لخادم الحرمين الشريفين "أيده الله بتوفيقه" ذات الصلة بالمرأة وحقوقها، وتفعيل دورها الذي عانى من التهميش طويلاً، بذرائع واهية ليس هذا مكان الرد عليها. إن التوجيه بتسمية الجامعة باسم هذه المرأة الجليلة، كان إشارة ورسالة لا تخفى غاياتها السامية، من الملك القائد، إلى الأمة بأسرها، أن المرأة يجب أن توضع في مكانها اللائق بها، وأنه لا يليق بالمرأة السعودية التي كان لها أسلاف من النساء اللواتي سطّر التاريخ مآثرَهنّ بدءاً من العهد الإسلامي الأول، إلى العهد السعودي القريب، الذي تُمثّل الأميرة نورة "رحمها الله" إحدى نسائه، لا يليق بمن كان لها مثل هؤلاء الأسلاف العظام أن تبقى متأخرة عن مواقع الإنجاز والريادة والقيادة، والمشاركة بالرأي والخبرة والعلم. وما تلا ذلك من قرار تاريخي بإشراك المرأة في عضوية مجلس الشورى، لهو خير برهان على هذه الرؤية السامية لرجل لن ينسى تاريخ المرأة السعودية مآثره وبصماته "حفظه الله". وبالعودة إلى التاريخ القريب جداً، والزمن القصير، لتأسيس هذه الجامعة المباركة، وإلى بداياتها التي ما زالت تخطو إلى استكمالها بكل عزيمة وهمّة ووطنية وإخلاص؛ يستوقفني كثيراً، ما تشهده هذه الجامعة الفتّية، من هجوم وإساءة وحملة تشويه لا يبدو إلا أنها تنطلق من منطلقات مشبوهة، ونوايا مُبيّتة، تتخذ تارة من حرية الإعلام ذريعة لذلك، فتصبح هذه الحرية انفلاتاً غير مسئول ولا واعٍ. وتارة تتذرع حملات التشويه هذه ببعض السلبيات أو أوجه القصور التي لا يمكن أن تخلو منها مؤسسةٌ أو منشأة حكومية أو خاصة، مهما كان مستواها من العراقة أو طول مدة تأسيسها، فضلاً عن منشأة ما تزال في أولى خطواتها، وبدايات مراحلها. ثم تتنوع أيضاً الوسائل والأساليب التي توجه هجومها على الجامعة، ما بين من يرفع لواء حقوق المواطن ويزعم أن الجامعة أهدرت هذه الحقوق، ثم يستبين لاحقاً أن ذلك لم يكن إلا محض افتراء وتقوّل بلا علم. أو من يوغر صدور الناس، ويدغدغ مشاعرهم، بشعارات الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتهم الجامعة في هذا السياق بإهدار شرائع الدين، والتعدي على حرمات الله، ويطير بهذه الفرية من لا خلاق لهم، ممن قال الله عز وجل في أمثالهم:(إذ تلقونه بألسنتكم، وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ٌ وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم). ثم تتكشف الحقائق بأن ما قيل لا يعدو كونه إشاعة سوء غير بريئة. وخلال فترة قصيرة من عُمر هذه الجامعة، رصدت من الهجمات والإساءات بحقها، ما يفوق في نسبته ما يواجهه أي مشروع أو منشأة وطنية أخرى. ورغم ذلك فإن مما ينبغي التنبه له، أن هذه الهجمات (المنظّمة) (المؤدلجة) (المقصودة) لا تُمثّل أبداً الرأي العام للمواطنين، ولا تُعبّر مطلقاً عن نظرتهم لهذا المشروع الوطني الذي قوبل منذ بداياته وما يزال، بكل ترحيب وإجلال وثناء واستبشار. إلا أنه مما يؤسف له كثيراً، أن صوت الإساءة دائماً هو الذي يعلو، وأن كلمة الفُحش غالباً هي التي تشيع، بينما يبقى الصادقون صامتين، ويتوارى أهل الاعتدال في الزوايا فلا يُدافعون. وهذه مشكلة عظيمة، توهم من لا يدري أن السوء أغلب وأن الشر أعمّ. إن مما لا شك فيه عندي، من خلال مجموعة معطيات وشواهد كثيرة، أن هناك استهدافاً من بعض ضعفاء النفوس، ومريدي الفتنة، وناقصي الوطنية، لكل إنجازات الوطن ومشاريعه التي كان حقّها الإشادة. ومن أبرزها هذه الجامعة التي رعاها خادم الحرمين الشريفين "حفظه الله" منذ كانت حلُماً إلى أن تحولت لحقيقة، وبدأها "رعاه الله" ببادرة وفاء سامية، بإطلاق اسم (نورة بنت عبدالرحمن) عليها وفاءً وعرفاناً، وشحذاً لهمم منتسبات الجامعة أن يكون فيهنّ من هي مثل (نورة). ومثل هذا الاستهداف والتجني، لن يعيق صرحاً علمياً اختير لقيادته خير نساء الوطن، وخيرة الكفاءات النسائية فيه، عن المضي قدماً نحو تحقيق الهدف السامي للجامعة. ومع ذلك فكم أتمنى لو أعيد النظر في التعامل مع الحملات الموجهة خصوصاً إلى هذه الجامعة، والوقوف أمامها بحزم يحول دون الاستمرار في الإساءة إليها، وإذا كانت الشكاوى الكيدية المقامة على الفرد موجبة للتعزير، فإن الحملات الكيدية الموجهة لصرح وطني بأكمله، لأحق بالمساءلة والتأديب. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش الكريم سبحانه. * القاضي السابق في ديوان المظالم والمحامي حالياً