رغم أن كل مؤسسة إعلامية مهما ادعت من موضوعية فهي في النهاية تنتهج خطاً وسياسة، تخدم أهدافاً معينة، إلا أن هناك حداً أدنى من الحياد المهني لإعطاء كل صاحب رأي حقه في التعبير عن رأيه. هذا ما يحرص عليه الإعلام الغربي وخاصة القنوات الإخبارية ذات التاريخ العريق كالبي بي سي وفرانس 24 وغيرهما. وتنعكس هذه التقاليد والأخلاقيات المهنية على طريقة تعامل المذيعين مع ضيوفهم الذين يمثلون تيارات مختلفة ووجهات نظر متباينة جداً. المذيعون العرب في القنوات الإخبارية الغربية يمتلكون من المهنية ما يجعلك تشعر أحياناً بصعوبة في تحديد الدول التي ينتمون إليها خاصة وأنهم يمتلكون لغة عربية جميلة جداً ناهيك عن أن من غير الممكن تحديد انتماءاتهم الأيديولوجية أو آرائهم الشخصية، فهم في نقاشاتهم مع كل طرف يتبنون وجهة نظر الطرف الآخر بشكل كامل. هذا النوع من التعامل يوحي باحترام الضيف واحترام المذيع لنفسه ومهنته واحترام المؤسسة التي ينتمي إليها إلى المشاهد أولاً وأخيراً, فالمذيع يعمل ضمن مؤسسة إعلامية تضع سياسة إعلامية واضحة ذات نهج يحترم المشاهد ويقف على مسافة من التيارات والآراء المختلفة ولذلك فجميع المذيعين والمذيعات يتمثلون هذه المبادئ، فلا يُسمح لضيف أن يهين ضيفاً آخر ناهيك عن إهانة الضيف للمذيع أو المذيع للضيف. في مقارنة بسيطة بين هذا النوع من الإعلام والإعلام العربي في القنوات الإخبارية نجد الفارق شاسعاً وخطيراً.. فالمذيع إذا استطاع أن يكون محايداً وموضوعياً فهو شأنه ولكن الكثير لا يتردد في أن يسجل نقطة تثبت وتأكد انتماءه الأيديولوجي بدءاً من اختيار الضيوف إلى طريقة إدارة الحوار والتعبير صراحة عن رأيه. أما الاعتداءات اللفظية فحدِّث ولا حرج ليس فقط بين المتحاورين ولكن أحياناً من قبل المذيع نفسه بشكل مبطن وأحياناً صريح في إهانة الضيف، بل إن غياب المبادئ المهنية يتضح في سياسة بعض القنوات التي لا تتردد في أن تجعل بعض البرامج محسوبة لتيارات معينة، فالمطلوب هو كسب نسبة مشاهدة أعلى من خلال الإثارة. المشاهد الواعي لابد أن يشعر بالامتنان لثورة الفضاء التي أعطته قدرة الاختيار ولم تجعله عرضة لقنوات وبرامج فقدت وتفقد في كل وقت احترامها لأخلاقيات مهنتها أولاً وأخيراً.