د. ضياء الكعبي: ليست قائمة على استراتيجيات ثقافية حقيقية لتنمية ثقافية عربية أسماء الزرعوني: الضجة والبهرجة الإعلامية هي الأقوى في العواصم الثقافية منذ سنوات وما يزال ملف عاصمة الثقافة العربية ينتقل من بلد عربي إلى آخر، وفي كل عام أو فلنقل في بداية كل دورة، تحدث ضجة إعلامية، وفعاليات متنوعة، وصخب كبير يصحب كل دورة ويميز كل دورة عن سابقتها، ولكن ما يزال هذا الملف غامضاً بالنسبة للثقافة كممارسة وكفعل حياتي، ولم يطرح بعد هذا الملف أسئلته المهمة حول الثقافة وحول جدواها وأهميتها وكينونتها في مجتمعاتنا العربية، ونحن في هذا الملف نريد أن نقترب أكثر من ملف مشروع (العواصم الثقافية العربية) لنتلمس إنجازاته وإخفاقاته، ونواجهه بأسئلة حقيقته وما سيصير إليه. هل يحاول مشروع (العواصم الثقافية العربية) عبر منهج معين يمارسه في كل دوراته أن ينمّي مفاهيم ثقافية معينة كمشروع التنمية الثقافية، عبر خطط وجداول واستراتيجيات واضحة، أم أن دوره يقتصر فقط على إقامة الفعاليات الثقافية، وحشر الوقت ببرامج وأنشطة (سياحية) و(ثقافية) لتمضية العام؟ لماذا يقتصر دور المثقف العربي في فعاليات (العواصم الثقافية العربية) على (النشاط الثقافي) وحسب، ولماذا لا يتم التداول مع المثقف العربي خلال برامج العواصم الثقافية العربية في آليات اشتغال هذا المشروع، وفي جدواه، وفي كيفية استثماره، لماذا ينظر هذا المشروع للمثقف على أنه فقط (مساحة وقتية) لشغل فعالية ثقافية وحسب؟ في المقابل هل تعامل المثقف العربي مع هذا المشروع بجدّية، أم أنه فقط وبشكل (جشع) حاول استثماره من أجل تلميع إعلامي هنا، وبروز صوري هناك، لماذا لم يقدّم المثقف العربي بعد إشكالاته الحقيقية حول هذا المشروع بشكل واضح وجلي، أم أنه استمرأ اللعبة وينتظر فقط دوره في كل عام؟ المترجم والشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف كان على طريق سفر واختصر إجابته فيما يراه حول المنطلق الأساسي بطلقة نارية قائلاً: أرى في مصطلح "عاصمة للثقافة العربية" مظهراً بروتوكوليّاً فقط يُعهَد أمرُه في الغالب إلى مقاولين. أسماء الزرعوني وتحدثت الأديبة والقاصة أسماء الزرعوني التي تشغل منصب نائب رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات عما تراه في مشروع العواصم الثقافية والمنهج الذي يمارسه في كل دوراته فقالت: "الضجة الإعلامية والبهرجة الإعلامية هي الأقوى في العواصم الثقافية ولكنها وقتية أيضا أما بعد الحدث تختفي الضجة وكما قلت سلفا لم تطرح أي أسئلة حول المثقف ولم تعط أي دعم للمثقف ويظل المثقف العربي فاقدا هويته وحتى في اليوم الذي يحتفى في بلده عن الثقافة وهو في الدائرة المفقودة ولا ينال المثقف حظ المطرب والممثل ولاعب الكرة وهم في الأفضلية لأنهم وصلوا للنجومية وتم تخصيص قنوات وصفحات ومتابعات في جميع وسائل الإعلام وسؤالنا اليوم.. أين كل ذلك من المثقف الغربي والذي يبحث عن النجومية! وترى القاصة أسماء الزرعوني أن أي مشروع يطرح كل سنة نقرأ حوله عبر وسائل الإعلام على سبيل المثال عن مشروع ثقافي يعلن عنه ولا يرى هذا المشروع النور! وحتى الأنشطة المصاحبة للعواصم الثقافية يخطط لها من قبل الأشخاص الذين يخططون لهذا المشروع الثقافي لا ينتمون للثقافة هم فقط يخدمون الثقافة (أي أن الثقافة تمر من خلالهم) ويختصر النشاط الثقافي في البلدان العربية على عدد محدود من المثقفين للأسف هم يمثلون المثقفين دائما وكأن لا يوجد غيرهم في البلاد. أما التلميع الإعلامي مهم وهو سيد المشروع دون اي مصداقية للخبر ويبرز كل الكلمات المنقحة من أجل هذا الحدث الثقافي وأنا هنا لست متحاملة على أحد بل أتكلم بصدق وفي غاية الشفافية أي مشروع ثقافي عندما أقرأ أن كاتبا عربيا يبحث عمن يشتري بقرته حتى يستطيع أن يطبع كتابا له وفي الصفحة المقابلة كاتب أمريكي يحجز مليون نسخة من كتابه قبل إصداره للكتاب أي معادلة وأي ثقافة نحتفل بها بعد هذا. محمد برادة الكاتب والمثقف العربي اذا اراد حضور اي فعالية ثقافية يتوه شهرا حتى يوافق على تفرغه يوما او يومين من أجل المشاركة.. وهل سمعت يوماً ان مثقفا عربيا يعيش على دخل الثقافة أين هذه القضية من عواصمنا الثقافية ؟!. من جهته يقول الدكتور محمد برادة روائي وناقد مغربي أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط عن مشروع العواصم الثقافية العربية :الواقع أن مشروع العواصم الثقافية العربية يفتقر إلى تحديد الأهداف باتجاه خدمة الثقافة العربية على المستوى العام وعلى مستوى كل قطر يُختار لأن يكون حاملا اللقب. من ثم يبدو المشروع تقليدا لنظيره في أوروبا، دون أن يتقيد بالمحتوى الهادف إلى تحقيق إضافات إبداعية وفكرية وتعريفية.وليس ذلك مستغربا لأن الجامعة العربية والأنظمة عودتنا على الارتجال والاستفراد بالرأي بعيدا عن إشراك المبدعين والمفكرين والمثقفين.لا غرو إذن ألا نجد آثارا باقية وفاعلة في مجال التنمية الثقافية والاقتصادية. لقد أصبحت هذه الاحتفالات تظاهرات دعائية وسياحية، لأنها لا تطرح احتياجات الثقافة العربية في عالم اليوم، ولا تواجه أسئلة الاستفادة من فضاء يسكنُه 300 مليون نسمة، وقابل لأن يصبح مجالا لصناعة ثقافية مربحة، شريطة أن تُلغى الرقابة والحسابات الضيقة ويضيف الروائي محمد برادة حول اقتصار دور المثقف العربي في فعاليات (العواصم الثقافية العربية) على (النشاط الثقافي) وحسب. ويتابع الروائي محمد برادة حول تعامل المثقف العربي مع هذا المشروع، العواصم الثقافية بجدّية: ان المثقفين الذين يتعاملون مع هذا المشروع قد يفعلون ذلك بقصد التلميع الإعلامي وزيارة أقطار لا يعرفونها، والتطلع إلى قرائهم خارج أوطانهم...لكن المسؤولية تعود، كما أوضحت،إلى المؤسسات والدول التي تستبد بالتخطيط الأجوف، ولا تتعامل مع الثقافة والإبداع بجدية ويقظة لست أدري إذا كان اتحاد الأدباء العرب يستشار في مثل هذه المشاريع،إلا أن هذا الاتحاد بدوره كان خاضعا لإرادة الأنظمة وهو بحاجة إلى تغيير وإعادة نظر ليصبح في مستوى الأسئلة الدقيقة المطروحة على المجتمعات العربية وعلى مصير وجودنا. د. ليلى السبعان أما الدكتورة ليلى السبعان عضو هيئة التدريس بجامعة الكويت أمين سر رابطة الأدباء الكويتية مستشار تربوي تقول: حول محاولة مشروع (العواصم الثقافية العربية) عبر منهج معين أن ينمّي مفاهيم ثقافية معينة كمشروع التنمية الثقافية أنه بكل تأكيد الأهداف العامة للعواصم الثقافية واضحة بشكل جيد لكل البلدان التي كانت عواصم ثقافية في السنوات الماضية والأهداف المقصودة عبرها في غاية الأهمية إلى جانب وضوحها لذلك لا مجال للتقصير في هذا الشأن الثقافي لكن يبقى الجانب التطبيقي هو الجانب الذي تكمن فيه القصور في تحقيق الأهداف حيث انه لا يخطط التخطيط الجيد لتفعيل هذه الأهداف بشكل ملموس وبشكل يعود بالفائدة على العواصم أولاً وعلى الدول المتفاعلة بالتواصل معها ثانياً. هنا الجانبان بحاجة إلى دقة وإلى تخطيط أكثر وإلى عمق في إسهام الوسائل المعينة في تحقيق هذه الأهداف فتجدين تأخذ بهرجة في البدء وقوة واندفاعا فتضيء بومضة قوية لكن ما تلبث هذه الومضة أن يقل إشعاعها أو ضؤها لكن لا تسير هذه البداية القوية بنفس المنوال أثناء الاحتفال أو الاستمرارية وأحيانا تصبح باهتة في بعض الدول عند نهاية أي نشاط يخف الضوء وتخف البهجة والقوة والاندفاع في إكمال مسيرة أي احتفالية ثقافية يكفي أن التوصيات التي تذيل في نهاية أي نشاط ثقافي لا تفعل ولا يلتفت لها لذلك بالإمكان أن تكون احتفالية هذه العواصم بشكل أفضل مما هي عليه. وتؤكد الدكتورة ليلى السبعان عن دور المثقف العربي في فعاليات (العواصم الثقافية العربية) أنه في جوهر الموضوع هذا النشاط الثقافي للشخصيات الثقافية محدودية لا يشمل جوانب أخرى في الفنون التي تشكل تراث الأمم بمعنى ليس هناك للسينما والمسرح دور كبير عند احتفالية عواصم الثقافية فقط لاهتمامهم بالندوات والمحاضرات الشكلية العادية لكن لا يلمسون الفنون التشكيلية بالشكل المأمول ولا يمنحون اهتماما لسينما كفن راق نستطيع من خلاله أن نطرح كثيراً من القضايا الاجتماعية والسياسية والتربوية بشكل يعالج وينظر إلى زوايا خفية في هذه القضايا وكذلك المسرح لا يقوم بدوره ربما تعرفين أن مسرح شكسبير في بريطانيا كان له دور الريادة في طرح القضايا حتى أن بعض المسرحيات حتى الآن تعاد ولا يمل منها لذلك هذه الاحتفاليات تهتم بجانب وتترك جانبا آخر من هنا يأتي أن دور هذه العواصم يكمن داخله قصور في الرؤية إلى الثقافة بشمولية. وتضيف الدكتورة ليلى السبعان حول محورنا هل تعامل المثقف العربي مع مشروع العواصم الثقافية بجدّية: هي من هذا وذاك ليست كل فئات المجتمع تفاعلت مع الحدث الثقافي بشكل فاعل (تواصل فعلي) لكن البعض كان يمتلك نوعا من الجدية والمشاركة والعطاء الجيد لكنه لا يرقى إلى مستوى الطموح نحن نريد من العواصم الثقافية والمثقف العربي أن يكون محسوبا على مجتمعه أن يعطي كل ما باستطاعته في تفعيل الدور الثقافي ولننظر مثلاً إلى المملكة العربية السعودية في الفترة الحالية مليئة في السنوات الأخيرة هناك كفاءات في كل المجالات الشعر والقصة والبحث والتراث والقناة الثقافية السعودية تقوم بدور كبير تغطي فيه كل جوانب الثقافة من أنشطة ثقافية لديها قدرة على أن تستحوذ على كل النشاطات الثقافية وتنشرها بتغطية إعلامية قلما نجد لها مثيلا في دول أخرى. د. ضياء الكعبي أما الدكتورة الشابة ضياء عبدالله الكعبي أستاذ مساعد النقد الأدبي والسرديات قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية جامعة البحرين فتقول في البدء فيما يتعلق في العواصم الثقافية للدول العربية ربما تختلف تجارب كل دولة عن دولة أخرى وقد سنحت لي الفرصة في إحدى السنوات للمشاركة في بعض الفعاليات الثقافية في بعض العواصم الثقافية بعض العواصم فعلاً قضية العاصمة الثقافية هي مجرد فعاليات واحتفائيات وليست قائمة على استراتيجيات ثقافية حقيقية لتنمية ثقافية عربية كانت فقط على استقطاب باحثين وباحثات وبالتالي بالفعل يمضي العام الثقافي أو العام بأكمله من غير تحقيق أي مردود فيما يخص الثقافة العربية قاطبة لكن سأتحدث عن تجربة دولة البحرين بوصفها عاصمة للثقافة العربية السنة الماضية 2012 التجربة كانت موفقة إلى حد ما وكان اختيار مشروع المنامة عاصمة للثقافة العربية من خلال عمل عدة محاور هي عبارة عن استراتيجية ثقافية متعلقة بالفنون ومتعلقة بالمسرح ومتعلقة بالسينما فكل شهر كانت تستقطب بعض الفعاليات خاصة بهذه التظاهرة الثقافية ولكن كما قلت هي تجربة موفقة إلى حد ما لأن قضية مشروع عاصمة الثقافة العربية ينبغي دراسته في ظل استراتيجية ثقافية عربية لاستقطاب الجميع ومشاركة الجميع ولا تكون فقط مشاركة شكلية لأن في بعض الأحيان تقتصر المشاركة على أسماء معينة وتقصى أسماء أخرى يصبح أشبه ما يكون أمام أبقار مقدسة وأسماء مكررة هي التي تكرر في حين تقصى مثلاً أنواع أخرى من الثقافات مثل الثقافة الشبابية بعض الفئات لا يلتفت إليها أي مشروع بحاجة إلى إعادة دراسة وليس أن يكون أحتفائية شكلية وإنما أن يكون تمكينا ثقافياً حقيقياً. وإجابة لمحورنا لماذا يقتصر دور المثقف العربي في فعاليات (العواصم الثقافية العربية) على (النشاط الثقافي) وحسب تضيف الدكتورة ضياء الكعبي: ذلك لأن مثلما أشرت نفتقر إلى وجود استراتيجيات ثقافية على مستوى الوطن العربي في بعض الأحيان وزارات الثقافة لا تقوم بالدور الذي يجب أن تقوم به قد تكون مشروعا مثل مشروع عاصمة ثقافية عربية مجرد تمضية وقت لبعض الباحثين والباحثات أو بعض المثقفين والمثقفات العربيات الذين يفهمون اللعبة جيداً فبالتالي يشتركون فيها من أجل تسويق أنفسهم في مساحة وقتية محدودة ولكن لا يشتغلون اشتغالا ثقافياً قائماً على برامج مؤسسية لأن مثلما قلت هناك ربما في بعض الأحيان افتقاد لا أتكلم عن دولة عربية واحدة وإنما أتكلم في مجمل الوضع قد يختلف الوضع من دولة إلى دولة أخرى قد نفتقد لوجود آليات حقيقية لمشاركة هذا المثقف العربي بعيد هو أحياناً عن المؤسسات الرسمية والمؤسسات الثقافية غير الرسمية اشتغالاتها أيضاً قليلة قد تكون إنجازاتها مثمرة في بعض الأحيان لكنها لا تكفي إذاً لابد من التنسيق بين مؤسسات ثقافية رسمية ومؤسسات ثقافية غير رسمية واشتغال حقيقي للمثقف العربي بمعنى إشراكة سواء من خلال القرار الرسمي أو من خلال المؤسسات الثقافية الخاصة ويجب على المثقف العربي أن يكون على وعي حقيقي بدوره في تغيير مجتمعه فلا تكون مشاركته فقط تمضية وقت أو مجرد تسويق كالذي يحدث الآن وللأسف من قبل أسماء عربية كبيرة. وتختتم الدكتورة ضياء الكعبي حديثها حول تعامل المثقف العربي مع مشروع العواصم الثقافية العربية بجدّية. بالنسبة للمثقف العربي هناك فئة هي فئة المثقف المنتفع الانتهازي الذي يحرص بكل أنانية على تلميع صورته وتسويق نفسه بعيداً عن أي تمكين ثقافي حتى لأبناء جيله وحتى لأجيال أخرى فنصبح هنا أمام المثقف الذي يعوق وجود مثقفين آخرين ويمنع وجود هؤلاء لأنه يحرص على صورة المثقف السوبر فالوقت الذي يحاول أن يطمس فيه جهود المثقفين الحقيقيين للأسف بعض المثقفين العرب الحقيقيين ربما انضوى في الظل بعيداً عن المشاركات في نوع من الانكفاء ونوع من العزلة فلذلك تكون هناك مشكلة حقيقية متعلقة مثلما ذكرت ليس فقط بوزارة الثقافة وإنما بهذا المثقف العربي الذي يجب أن ينجز مشروعه المعرفي للارتقاء بالمجتمع العربي ودراسة الأمور المتعلقة بدراسة الأنساق الثقافية بهذا المجتمع المشتبك في ظروف سياسية بالغة التعقيد وظروف اجتماعية وثقافية وقضايا العولمة وهي كلها اشتباكات وأمور خطيرة جداً تفرض تغيير دور هذا المثقف إلى دور أكثر فعالية وليس شرطاً أن يكون دوره دوراً رسمياً حتى في مجال المبادرات الشخصية لهؤلاء المثقفين يجب أن لا ينتظروا الدور من جهات معينة أو مؤسسات معينة إنما يجب أن تكون هناك أيضاً مبادرات حقيقية منهم. وتقول منى بنت حبراس السليمية باحثة من سلطنة عمان حول مشروع (العواصم الثقافية العربية) عبر منهج معين يمارسه في كل دوراته أن ينمّي مفاهيم ثقافية معينة كمشروع التنمية الثقافية، عبر خطط وجداول واستراتيجيات واضحة، أم أن دوره يقتصر فقط على إقامة الفعاليات الثقافية، وحشر الوقت ببرامج وأنشطة (سياحية) و(ثقافية) لتمضية العام؟ الملاحظ والجلي أن مشاريع العواصم الثقافية تقع تحت طائلة الارتجال غالبا الذي لا يفرز إلا فعاليات ثقافية يُرصع بها جسد العام الثقافي من أوله إلى آخره، وفي أحيان أخرى تحتاج تلك الفعاليات إلى إعادة نظر لبحث مدى جدواها لخدمة السياق العام للعاصمة الثقافية، وتبقى هذه النظرة نسبية متفاوتة من عاصمة لأخرى، وتختلف من بلد لآخر وفقا لنوعية القائمين على القطاع الثقافي في هذا البلد أو ذاك، وكذلك الشأن في مدى الاهتمام بتنمية المفاهيم الثقافية والإستراتيجيات التي تعنى بالنهوض بالشأن الثقافي العام. منى السليمية وفي اعتقادي أن الأمر يعود لأحد سببين: أولهما الاعتقاد السائد بأن المدينة الفلانية هي عاصمة للثقافة العربية يحيلها تلقائيا إلى أن تكون وجهة ثقافية وسياحية وبؤرة استقطاب ثقافي من الوطن العربي أجمع، مما يعني عدم الاشتغال بالشأن الثقافي الخاص الذي لا يعني سيّاح الثقافة من الأقطار العربية الأخرى، وبذلك فإن بناء ثقافة أو تنميتها وفق إستراتيجيات محددة يبقى شأنا داخلي قابلا للإرجاء ما لم يكن ثمة داع إقليمي عربي وفقا للمنظور العربي الشامل وليس الخاص حسب الجغرافيا التي تشغلها فعالية العاصمة الثقافية. أما السبب الثاني فإن معظم القائمين على القطاعات الثقافية في البلدان العربية هم من الشخصيات التي لا صلة لها بالشأن الثقافي، الأمر الذي يفضي إلى اقتراح برامج وخطط لاستضافة فعاليات العواصم الثقافية دون البناء على أساس ثقافي بحت، ودون التغلغل في الإمكانيات السانحة التي تستوجب قراءة من المعنيين لاستمطار الرؤى، والدخول بالمشاريع التي تصب مباشرة في أهداف التنمية الثقافية في البلد المضيف. وقد نتج عن كل ذلك، أن أصبح ما كان عاصمة للثقافة العربية أثرا بعد عين بمجرد انقضاء العام، وتوقف الزخم الذي اقتصر نشاطه على العام الثقافي فقط، الأمر الذي يعني في الختام، محض فعاليات أقيمت في مناسبة أخذت مدى زمنيا امتد لعام وانتهت بانتهائه. بيد أن هناك مشاريع تبناها عدد من العواصم العربية استطاعت استغلال المناسبة لاستقطاب الاهتمام العربي وربما العالمي إليها، كما أن ثمة برامج كُتب لبعضها الاستمرار بعد انتقال العاصمة الثقافية إلى أخرى، من قبيل الكشف عن إرث ثقافي أثري استفاد من الزخم الإعلامي الموجه إلى تلك العاصمة، أو أنشطة لاقت قبولا على المستوى العربي العريض فبات المستفيد منها نخبويا وشعبويا يطالب باستمرارها. وتضيف الباحثة منى السليمية حول اقتصار دور المثقف العربي في فعاليات (العواصم الثقافية العربية) على (النشاط الثقافي) وحسب "هذه القضية من القضايا التي تحتاج إلى الوقوف فيها على الكثير من المفاهيم التي سبقت فكرة العواصم الثقافية، وتمحيص أهدافها وغاياتها، فالمثقف يتحرك وفقا للأهداف والغايات الموضوعة لمثل هذه التظاهرات، وهي - كما تبدو - أهداف لا تتغلغل في عمق الفلسفة الثقافية العربية، والنسيج الثقافي العربي - الذي يجدر عده وحدة متكاملة في تنوعها وتعدد أشكالها ومضامينها - بقدر ما تروم الكشف عن إمكانيات العواصم في تنظيم الفعاليات في شيء من التنافسية (المحمودة بعد كل شيء)، ولما كان الأمر كذلك فما على المثقف إلا أداء الأدوار التي تستطيع إبراز تلك الإمكانيات وليس الدور الحقيقي الرائد والسابر والمُسائل في عمق الحدث الثقافي في ترابطه الزمني منتجا طاقة يمكن استثمارها بما يخدم المشهد الثقافي العربي العام. وحتى يتحقق التداول المنشود مع المثقف العربي في آليات اشتغال المشروع وفي جدواه، وفي كيفية استثماره فإنه يتعين الإجماع أولا على أهمية مثل هذا التداول وفاعلية ما سيتمخض عنه، شريطة أن يُبحث خارج السياق المكاني لفعاليات العواصم الثقافية، بوصفه موضوعا ثقافيا عاما يقيّم التجارب الماضية ويبني إستراتيجية ثقافية عربية لما ستكون عليه في الأعوام القادمة، على ألا يقتصر بحثه على الطاولات المستديرة لصناع القرار الثقافي وحسب، وإنما ينطلق من المثقف نفسه لينتهي إلى طاولة المسئول". وتتابع منى السليمية فيما إن كان المثقف العربي تعامل مع مشروع العواصم الثقافية العربية بجدّية "المثقف كائن نسبي، ويخطئ من ينظر إليه بوصفه كائنا مطلقا، لأن الثقافة بحد ذاتها قيمة نسبية وليست مطلقة، فهناك من المثقفين من تستهويهم هذه المشاريع التي تجلب معها فرصا تلميعية أكثر من العمق الذي ينبغي أن تشتغل عليه، كما أن ثمة مثقفين ليس لهم من الثقافة إلا اسمها، فضلا عن المثقف الذي لا إشكاليات حقيقية لديه، وما نحتاجه بصدق في المرحلة الراهنة التي نتوسم فيها صدق المكاشفة هو تمحيص المثقف وتعريته لنصل إلى لب المثقف الحقيقي الذي نعوّل عليه في التعامل بجدية في مثل هذا المشاريع".