عاشت أوروبا أسوأ فترات تاريخها في حقبة سيطرت الكنائس على الحياة السياسية فيها. كانت الأسوأ اجتماعيا وعدليا واقتصاديا وعسكريا وإنسانيا. اتفق المؤرخون على تسمية تلك الحقبة بالعصور المظلمة (Dark Ages). وكان من الحتمية التاريخية أن تنتهي تلك الحقبة المظلمة إلى مالا نهاية. وهكذا تحررت أوروبا من كل تبعات تلك الحقبة واستطاعت أن تعيش أفضل مراحلها التاريخية في تطور مستمر منذ ذلك الوقت. هل ترى أن هذه سمة خاصة بالديانة المسيحية أم أنها تنطبق على بقية الدول الدينية؟ وهل سنلج جحر الضب (نفق التاريخ) الذي ولجوه من قبلنا كما حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ في هذا الموضوع يجب أن نكون موضوعيين ولا نعتمد على آرائنا أو ميولنا بل على شواهد محسوسة من الواقع المعاصر. فماذا تقول الشواهد؟ الدولة اليهودية تملك كل مقومات الدولة الحديثة من ديمقراطية واقتصاد قوي وجيش فتاك. ولكنها فاشلة إنسانيا فقد اقترفت من الجرائم ضد الإنسانية ما سيحمل وزره كل اليهود المؤيدون إلى أن تقوم الساعة. وإصرارهم على يهودية الدولة سيكون بمثابة شهادة الوفاة المبكرة لها. إيران دولة فاشلة بكل المعايير التنموية والوطنية والسياسية. ومن يطلع على حال الإيرانيين بعد حكم ديني دام لأكثر من ثلاثين عاما يدرك الفشل الإيراني، وليس لدي شك أن التاريخ سيلفظها كما لفظ غيرها. السودان وطالبان والصومال امثلة اخرى ايضا. جماعة الإخوان المسلمين في المغرب فشلت فشلا ذريعا في تحقيق ما كانت تطالب به عندما كانت في المعارضة ما جعل المؤيدين لها ينقلبون عليها في مظاهرات غير مسبوقة. الدولة الشيعية في العراق والمحاصصة الدينية في لبنان تفرزان كل يوم أزمات تعصف بهذين البلدين. الإفرازات الأولية للدول المتأسلمة المنبثقة في مصر وليبيا وتونس لاتبشر بالخير. فالاغتيالات السياسية لاتنقطع والفوضى الأمنية والتدهور الاقتصادي يهددان بفشل تلك الدول وتقسيمها. وفي مقابل تناغم فئات المجتمع في الدول المدنية وإثرائها، نجد التقاطب العدائي هو السائد في الدول الدينية. السبب يكمن في أن الدول الدينية تعج بمن يعمل على تنمية العداء بين طوائف الشعب الواحد، حتى يبدو للجميع أن إحساس بعضهم بعداوة بعض يفوق وطنيتهم وإنسانيتهم. بل ويتعارض مع الدين الذي جاء من الله سبحانه وتعالى: (ولَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ في الأَرْض كُلُّهُمْ جَميعًا أَفَأَنْتَ تُكْرهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمنينَ) يونس 99.