ترليون ريال حجم القروض الشخصية لدول مجلس التعاون الخليجي بنهاية 2012م الخبر تصدر الصفحة الأولى لهذه الجريدة، وتوسع في ملحقها الاقتصادي، والرقم يعادل ميزانيات دول، وربما لا يلفت الانتباه إلاّ لبعض المهتمين بالاقتصاد وحركة المال.. المبالغ ربما القليل منها يأتي لحاجة السكن كهم عام في تلك الدول، لكن حين نرى السلوك لمواطني الخليج، نجد الإسراف سمعة وظاهرة عامة لا تقتصر على الأغنياء وميسوري الحال بل تعم كل الطبقات.. فتكاليف الزواج تفوق غيرها في دول العالم، حلي وملابس وشنط وموائد واستئجار فنادق أو صالات أو استراحات، ومدعوون بالمئات، وهناك من يستدين لرحلة الشتاء والصيف كل حسب قدراته لمن يذهب لأوروبا وأمريكا ويسكن أفخر الفنادق والشقق، ويأكل في أغلى المطاعم ويتسوق من أغلى المحلات، وبعضهم لا يكتفي بالدرجة السياحية، بل الأولى في الطيران المحلي والعالمي، وكثيرون ينقلون سياراتهم الفاخرة بالطائرات للاستعراض بتلك الشوارع وقسم آخر يذهب بشعور ألا يختلط أطفاله ما بعد العطلة بالطلبة ولا يخبرهم وجهة العائلة بالسفر.. فوائض الأثاث والملابس الصالحة، ترمى لأنها لم تعد تناسب الحفلات والمناسبات، وعزائم وزيجات ودعوات يتحول فيها فائض الأطعمة إلى براميل النفايات وبعض المحسنين يدعون الجمعيات الخيرية للتخلص منها، وهي تقاليد غالينا فيها وأصبحت تشبه المقدس، وقوائم أخرى في مصروفات الكهرباء عندما تترك الإضاءة والتكييف مفتوحتين في كل المنازل، وهدر للمياه، وفواتير للهواتف التي لم تعد للحاجة وإنما للعبث للكبار والصغار، وسيارات لكل شاب أو رجل، قد تتغير وفقاً للظروف، وخادمات وسائقون وفستان جديد لكل زواج للأم وبناتها بآلاف الريالات عدا تكاليف صوالين التزيين، وكميات العطور للجنسين.. المجتمعات الاستهلاكية الخليجية والتي تعودت على دخل النفط لم تعد دولاً منتجة وفقاً لدخول الأفراد، بل ريعية طفيلية، معتقدة بديمومة هذه الثروة الناضبة، والدليل أن أكبر من يوظف بهذه الدول القطاع الحكومي، والاحصاءات تقول إن إنتاجية الفرد لا تتعدى الساعة باليوم الواحد، وهي أزمة لم تواجه الحل، وحتى قطاع الإنشاءات والتجارة، والشركات الكبرى تدار بعمالة وافدة وأسبابها طويلة ومعقدة، لكنها تضيف عبئاً هائلاً على الدخل القومي وتضاعف من البطالة، وتستنزف الوقود والمياه والكهرباء ونشر الجريمة المنظمة، حتى أن بلداناً خليجية بات مواطنوها لا يشكلون العشرة والعشرين بالمائة من السكان، وهناك مستقبل مظلم لما بعد النفط ما لم يكن البديل الطاقات البشرية القادرة على العطاء والعمل على إيجاد طاقة بديلة عن النفط، وإلاّ ستكون الأجيال القادمة في حال مجهولة إن لم تكن كارثية.. تلك الديون مؤشر خطير، لأنها تتصاعد كل عام، وهي لا تذهب إلى منجز تجاري أو صناعي، وإنما لاتجاه استهلاكي، وخطورة الأمر أننا نورث هذا السلوك لأبنائنا وبناتنا دون إدراك أن دولاب الزمن يتحرك بغير ما نريد..