لا أحب المثل الانجليزي القائل بأنه حين لا توجد أخبار فهي أخبار جيدة (no news is good news) والذي يقصد انه طالما لا توجد اخبار لا بالحسنة ولا بالسيئة، إذن فالوضع مستقر وآمن وجيد.. إذن من قال بأن الرتابة جيدة، ومن قال إن السكون حياة، ومن قال إن النمطية مطلوبة؟ الماء الراكد تسوء ريحه، والهواء الساكن يقبض، والايام المتشابهة الرتيبة تسرق العمر وتسرق البهجة وتقتل الطموح.. الاحداث أيا كان نوعها هي التي تعطي لايامنا معنى، وحساً، هي التي تصنع ذكرياتنا وتشاركنا احلامنا وترسم مسار خطواتنا.. جرب ان تجلس ساكنا في يوم بلا احداث، تملك اللحظة ولا تملكك، مسترخيا بلا عمل ولا مسؤوليات بابك مغلق عليك تفصلك عن هموم الكون مسافات ضوئية لا يعنيك ما يحدث خلف بابك المغلق حتى وان كان في بيتك، ان مرت عليك خمس دقائق ساكنة بلا تفكير بلا ازعاج بصفحة بيضاء تماما - وهذا ما اجزم باستحالته - ستجد نفسك إما مستغرقا في نوم يجرك لحركة الاحلام، او مدفوعا لتمرير شريط ذكرياتك التي تضحكك او تبكيك، او انك ستبحث عن لعبة تحرك بها ذراعيك وتعمل بها عقلك او ستخرج من فورك للعالم الخارجي من جديد، فاذا لم تفعل شيئا من هذا فأنت بالتأكيد.. مكتئب .. اذهب وتعالج.. الذين يصورون السعادة جزيرة غناء تحيط بها المياه وتنبت ارضها الزهور، وتملأ سماءها شقشقة العصافير، هؤلاء يجتزئون الصورة ويختزلون اعمارهم في لحظة.. ساعة ربما يوم .. ثم ماذا ؟ إن لم تركض خوفا، ولم تبك فرحا ولم تضحك توترا .. إن لم تنتظر أملا، ولم تعش حلما ولم تحقق امنية.. ان لم تتشاجر وتتصالح وتصاب بخيبات وتسعد بنجاحات وتتعلم بالدروس القاسية من الحياة.. إن لم تترك الايام بصماتها المختلفة على جسدك وروحك.. إن لم يشب شعرك ويتساقط وتترهل اجزاء من جسدك وتنتفخ جفونك وتكح وتسخن وتبرد وتعاني من خشونة المفاصل.. إن لم يمت لك عزيز ويولد لك غال ويسأل عنك غائب ويدق قلبك لذكرى.. إن لم تتعثر في ماء المطر فتسقط على وجهك وتتبلل ملابسك وتذوب احراجا وخجلا .. ثم تضحك على هذه اللحظة كلما تذكرتها ولو بعد ألف عام.. إن لم ينكسر سنك وانت تقضم قطعة حلوى ليختلط في فمك وفي وجدانك الى الابد طعم الدم بطعم الحلوى ووجع الكسر بمتعة الطعم.. اي خبر مهما كان هو افضل من لا خبر.. واي حدث مهما كان هو افضل من لا حدث.. نحن لسنا تماثيل مثالية من شمع.. وحياتنا ليست متحفا كل شيء فيه بمقاس.. نحن بشر تصنعنا الاخبار التي نصنعها، وتعيشنا الاحداث التي نعيشها.. الحمد لله على نعمة الاخبار غير المنقطعة بحلوها ومرها فهي دليلنا الدائم على اننا أحياء..!