الملفات التي أشرف عليها الملك وأصدر قرارات بشأنها باتت من الاحداث التي يسجلها له التاريخ بدءا ببرنامجه للابتعاث وتعيين المرأة عضوا بمجلس الشورى وموضوع الاسكان وتطوير القضاء وغيرها. وهنا يتضح اصرار الملك على ضرورة سير العجلة الإصلاحية الى الامام برسوخ وثبات عندما نحتفي بالذكرى الثامنة لتولي خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم، فإن تنوع مسارات التفرد وتراكم حلقات الانجاز يتطلبان بطبيعة الحال مساحات كبيرة من التعليق والتحليل قد لا تتيحها لنا مساحة هذا المقال كون الشخصية متشعبة بأدوارها داخليا وخارجيا، ولعل القراءة في عوالمها تبرز جهودها الفاعلة في خدمة الاسلام وتكريس منهج الاعتدال والوسطية وتعزيز السلام والأمن الدوليين. على ان المقام هنا ليس للإطراء والثناء بل هو لتشخيص واقع شخصية لافتة بشهادة المحايدين في اصقاع العالم، فحضورها المشع لا يلبث ان يتبنى القضايا العادلة والدفاع عن مبادئ السلام وحقوق الانسان ومكافحة الفساد ومواجهة الارهاب. ثمة دلائل ناصعة تتراكم في ترجمة الحقيقة فهذه دعوة خادم الحرمين لتجريم الاساءة للأديان والأنبياء جاءت لتقطع الطريق على الاصوات المتطرفة التى تسعى إلى تعزيز التطرف وتُذكي الصراع بين الإسلام والغرب. واقتراحه كذلك بإنشاء مركز للحوار بين المذاهب الاسلامية. وهنا يكمن دور القائد الذي يحرص على مصالح أمته حيث طالب الامة بالحوار مع نفسها في المقام الأول ومؤكدا بأن اقتراح مركز الحوار بين المذاهب الإسلامية "لا يعني بالضرورة الاتفاق على أمور العقيدة بل الهدف منه الوصول إلى حلول للفرقة وإحلال التعايش بين المذاهب بعيدا عن الدسائس". وهنا تكمن الفكرة الاساسية ذات البعدين الحضاري والإنساني اللذين ارادهما الملك، ما يساهم في مواجهة وباء الطائفية والمذهبية اللتين استشرتا في جسد العالم الاسلامي. جاءت خطوات الملك تلك وهو الذي كان قد شرع منذ توليه الحكم في رؤيته الإصلاحية لتشمل الإصلاح الديني عبر تأكيده على الوسطية والاعتدال والبعد عن الغلو بدليل إصداره تنظيما يكبح ظاهرة "فوضى الفتاوى" للحد من تشويه الشريعة وإثارة الفتنة. كما ان انتقاده لآلية عمل مجلس الامن موقف تؤيده غالبية دول العالم لاسيما وانه جاء مشفوعا بخارطة طريق تدفع المجلس باتجاه أداء واجباته بفاعلية في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. ان المحطات التاريخية التي عاشتها السعودية وبالرغم من حجم التحديات ومخاض المتغيرات وتسارعها، برهنت على الترابط واستباق الأحداث ووضع السيناريوهات للقادم من الأيام، ما جعل الأمور تأتي مخالفة لكل التكهنات فلم تحدث أيه صراعات أو انشقاقات. كما أن القراءة الهادئة لما يجري في السعودية، وكيفية تعاطي الحكومة مع المستجدات بقيادة الملك، تلحظ أن ثمة إرادة وطنية غير مرتهنة لضغوط خارجية، في المضي قدما في مسيرة الإصلاح. والملفات التي أشرف عليها الملك وأصدر قرارات بشأنها باتت من الاحداث التي يسجلها له التاريخ بدءا ببرنامجه للابتعاث وتعيين المرأة عضوا بمجلس الشورى وموضوع الاسكان وتطوير القضاء وغيرها. وهنا يتضح اصرار الملك على ضرورة سير العجلة الإصلاحية الى الامام برسوخ وثبات مراعيا استجابة المجتمع وتفاعله مع الأخذ في الاعتبار تسارع وتيرة المتغيرات الآنية في زمن لم يعد يرحم او كما وصفه خادم الحرمين بزمن الأقوياء لمن لا يجيد التعامل مع قاموسه. وفي هذا السياق وتزامنا مع ذكرى البيعة يمكن القول بأن القرارات الملكية الاخيرة التي يمكن قراءتها بأنها تصعيد للصف الثاني من اجل اكمال المسيرة تعني للمتابع تعزيزا لاستقرار الدولة وديمومة تنميتها؛ لأن القرار السياسي هنا ينطلق من رؤية مستقبلية من خلال المحافظة على المكتسبات ودمج الكفاءات والقدرات لخلق صيغة مواءمة تقود البلاد لبر الأمان وهذا ما يميز نظام دولة عن سواها من الدول. ومن يستعرض الأوامر الملكية التي صدرت، يوقن بأن السعودية لا تفتأ أن تؤكد ثباتها، وتعزز ديمومتها وبقاءها كنظام ودولة مستندة على معادلة أن الخلف يكمل مسيرة السلف، ما يجعلها تعيش حراكا يرسخ أمنها واستقرارها ويجعلها متأهبة لمواجهة التحديات أو التهيؤ للمخاطر إن وجدت. وبالتالي يمكن وصف تلك الأوامر الملكية التي صدرت انها تصب في تعزيز موقع المملكة داخليا وخارجيا، وتدفع باتجاه نجاح الرهان الجاد على نجاح التجربة السعودية الوحدوية وتشكل حزاماً أمنياً ومنظومة دفاعية للبلاد كونها شخصيات وقامات لديها من الإمكانات والقدرات ما يؤهلها لتتولى تلك المناصب الحساسة والمهمة ما يحقق تطلعات ولي الأمر فيها. على أن التوقف عند هذه الأوامر الملكية وتأمل مضامينها وأبعادها، تلمح في ثناياها ثقلها ومغزاها، ما يجسد فعلا أهمية التعيينات التي جاءت من اختيار الكفاءات ذات الخبرة والباع الطويل، وأهمية المواقع التي تولوها من جهة، ومن جهة أخرى بمثابة رسالة للجميع بأن السعودية على أهبة الاستعداد، وتتابع بحذر كل ما يحدث حولها، وهي تضع كل الاحتمالات والسيناريوهات. ولعل الأهمية تكمن في توقيت صدور الأوامر الملكية وإشراك الجيل الثاني لتتزامن مع دقة المرحلة والظرف الإقليمي وتسارع المتغيرات، وهو ما يكشف عن بعد نظر الملك وحنكته، كونه موقناً بأن المملكة معنية بتعزيز الأمن والاستقرار في الإقليم، وبأنها لن تسمح بالفوضى والتدخل في شؤونها الداخلية. ذكرى البيعة شاهد على تفرد ملك بحضوره وبصماته وإنجازاته ولذلك فالقيادة السعودية التي أدركت ضرورة تغيير الدفة، يُحسب لها اتخاذ قرارات حازمة وحاسمة مرتهنة للقراءة الواقعية والمصلحة الوطنية، إدراكاً منها بضرورات الدولة والمجتمع، حيث آلت على نفسها ضرورة بناء دولة عصرية حديثة يصار من خلالها إلى تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وبشكل يتوازى مع مكانة وحجم ودور المملكة الإقليمي والدولي.