الكائن العربي.. أينما كان.. نعم يفكر.. لكن بمحدودية ما يستوعبه عقله.. ليته يتوقف عن رؤية ذاته ومن هو قريب منه ويتجه إلى رؤية من هو بعيد عنه.. هل يفكر حين ينتقل بالسيارة من مكان إلى مكان.. كيف وصلت إليه هذه الوسيلة التي بدونها كان يقطع المسافات في عشرات الساعات، أما في حاضره فلا يحتاج إلا لدقائق؟.. من أعطاه هذه الكهرباء التي تضيء له بيته وطريقه؟.. الجوال.. الأنيق الصغير.. كيف أصبح يصله بكل من يريد في العالم عبر الصوت والصورة؟.. تنوّعات مواد الطعام التي لم يكن يعرف منها إلاّ نوعين على الأكثر.. تنوع ابتكار الأدوية المميزة وأين بدأ الطبيب تعليمه؟.. هو لا يفكر من أين أتى إليه كل ذلك، وكيف حدث ذلك عند غيره؟.. إنه لا يتقلد أفكاراً حيوية تدفعه نحو الحضور العلمي والاقتصادي، وإنما يستخدم الكلمات قولاً مع غيره أو عبر تنوّع مواقع «النت».. وهذا الحضور لا يتجه نحو وجود تطوير، وإنما يتجه نحو بث «تشكيك» متى كان مموّناً من الخارج.. بما في ذلك الخارج القريب.. أو يتجه به جهل وبساطة مفاهيم نحو فتح منطلقات التخلف سواء ادعى خصوصية إسلامية أو ادعى حداثة علمانية.. هو في كلتا الحالتين لا يتجه نحو ما يفيد مجتمعه بجزالة وعي وعقل.. رغم تعدّد ما يراه حوله من منجزات علمية تتحرك بها وجاهة السير والاتصالات والأدوية والمطابخ والتصنيع وتنوّع منطلقاته فاقترابك من واقعه العقلي يجعلك تشعر أنه ليس هناك أي فارق كبير.. عقلياً.. بين مفاهيم ماضيه البعيد وما هو عليه حاضره بخصوصية نوعية قدرات وعيه.. لا تراه بعيداً عما قاله الشاعر الجاهلي: ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا لنا الدنيا ومن أضحى عليها ونبطش حين نبطش قادرينا هذا هو بين ماضيه وحاضره.. عد إلى ما قيل عن الحرية والديموقراطية قبل ستين عاماً تقريباً، أليس ما طُرح هو مجرد أقوال وشعارات، في حين أن ما كان محترم الحضور آنذاك من ثقافات وفنون قد تضاءل وتراجع حتى أصبح ذلك الماضي شاهد تأكيد على فروقه المتألقة بحوثاً وشعراً وفنون طرب على ما هو قائم من هبوط لهذه المستويات.. منذ الستين عاماً تقريباً وفي عدد ليس بالقليل من الدول العربية رفعت شعارات الحرية والديموقراطية ولم ينفّذ منها أي شيء، حيث الديموقراطية لا تبيح أن يبقى الرئيس حتى يُعتقل أو يُقتل، ومعروف أنه لا يمر في الغرب بمثل هذه النهاية.. فالرئيس الغربي.. الديموقراطي الحقيقي.. تنتهي رئاسته في سنوات قليلة ويذهب إلى مسكنه بخطوات آمنة.. أين هو العالم العربي من كل ذلك.. وبالذات الدول التي مارست عنف التغيير منذ الستين عاماً؟.. ألم تتهم الدول الخليجية من قبلهم آنذاك بالتخلف؟.. كيف هو الفارق الآن في مستويات التعليم.. الصناعة.. قدرات الاقتصاد ومستوى مكافحة الأمية ومعها البطالة؟.. وفي الأهم من ذلك توفّر حضور الأمن ومكافحة المخدرات وتبنّي جيل الشباب بامتيازات التأهيل العالمية.. نتمنى أن يستفيد هذا التعدّد العربي الضائع مما هو عليه واقع العالم الخليجي من إيجابيات حاضر وإيجابيات خطط مستقبل..