(وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)... وكما لا نملك خيارا بتاريخ ولادتنا ولا بأي أرض تحدث وفاتنا، لا نملك خيارا في أي أرض نولد، وفي أي دولة نحيا، وفي أي مجتمع ننشأ، وضمن أي ثقافة تتجمد عقولنا.. وعدم قدرتنا على اختيارنا مكان ولادتنا يجعل بعض البشر محظوظين فعلا (في حال ولدوا في دول مثل سويسرا واليابانوسنغافورة وكندا) في حين تتدرج حظوظهم الى القاع في حال ولدوا في دول مثل سيراليون أو غينيا والصومال.. ففي الدول الأولى يضمن الطفل (منذ ولادته) فرصة أفضل للنجاة والبقاء على قيد الحياة (ومثال ذلك سنغافورة حيث يبقى على قيد الحياة 997 طفلا من كل 1000 ولادة). وفي المقابل يموت معظم الأطفال فور ولادتهم أو قبل سن المدرسة في دول مثل موزمبيق وأفغانستان وسيراليون (حيث يموت طفل من بين كل أربعة قبل وصوله لسن الخامسة)!! ... والأمر لا يتعلق فقط بفرص النجاة في سن الطفولة، بل وأيضا فرص العيش برفاهية لسن متقدمة.. ففي اليابان مثلا ارتفع متوسط العمر حتى تجاوز الثمانين عاما، في حين انخفض في الصومال وأفغانستان إلى أقل من الثلاثين عاما!! ... أضف لذلك أن فرص التعليم والتوظيف والرعاية الصحية ناهيك عن الحقوق المدنية والكرامة الانسانية مضمونة لكلا الجنسين في دول مثل النرويج وألمانيا وكندا وكافة الدول الاسكندنافية.. وفي المقابل لا تضمن دول تحتل مؤخرة التنمية الدولية (مثل النيجر وبوركينافاسو وسيراليون) هذه المزايا لمن يولد فيها... وحسب وحدة الأبحاث التابعة لمجلة الإيكونمست الاقتصادية Economist Intelligence Unit (لعام 2013) تأتي سويسرا في المركز الأول كأفضل دولة يمكن أن يولد فيها المرء (اعتمادا على توفر مزايا مستقبلية شبة مضمونة مثل طول العمر، والدخل المرتفع، وانخفاض الجريمة، وجودة التعليم، وتوفر الرعاية الصحية، وحرية التعبير والاعتقاد، وحفظ الكرامة والحقوق الانسانية)... وبعد سويسرا تأتي بالترتيب كل من استراليا، والنرويج، والسويد, والدنمرك، وسنغافورة, ونيوزلندا, وهولندا, وكندا وهونج كونج في المركز العاشر... ومن الأسماء المميزة في القائمة نجد أمريكا في المركز16 والإمارات في المركز18 واسرائيل20 والكويت22 في حين أتت السعودية في المركز38 ... أما ذيل القائمة فتحتله دول لا يتمنى أحد ولادته فيها مثل سوريا73 وكازاخستان74 وباكستان75 وانجولا76 وبنجلاديش77 وأوكرانيا78 وكينيا79 ونيجيريا في المركز الأخير...!!! ... وكل هذا أيها السادة يثبت مجددا أننا لا نجهل فقط في أي أرض نموت ؛ بل ولا نعلم أصلا لماذا ولدنا "هنا" ولا كيف تم اختيارنا من "هناك" ولماذا في هذا "العصر" بالذات!! ... بيني وبينك ؛ حتى ملامح وجهك ليست من اختيارك ولا يتمناها أحد مثلك !!