رغم أن عدد البشر يزيد حاليا عن 6,5 مليارات إنسان إلا أنه عدد من ولدوا وماتوا على كوكب الأرض خلال آخر 500 ألف سنة يقدر ب 74 بليون إنسان.. هذه الحقيقة المدهشة (التي سبق وبعثتها للمشتركين بجوال حول العالم) تجسد علاقتنا الحميمة بالأرض وتضفي عمقا جديدا على قوله تعالى «منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى» .. وأنا شخصيا كثيرا ما أتخيل الأرض كبيضة كبيرة من يفقس منها لا يرغب بالعودة لباطنها مجددا، ولكنه يعود عاجلا أم آجلا ويتحلل الى مكوناتها الأصلية استعدادا لإطعام مخلوق جديد .. غير أن تسليمنا بحتمية الموت والوفاة، وترك المجال لقلة يتحملهم الكوكب، لا يعني تسليمنا بوفاة مواليد جدد لم يمض على "تفقيسهم" بضعة ساعات . ففي قمة القرن التي عقدت عام 2000 اتفق قادة العالم على خفض وفيات المواليد الجدد بمعدل "الثلثين" بحلول عام 2015 . وهذا يعني أن دولة مثل السعودية (يبلغ فيها معدل الوفيات 18 من كل 1000 ولادة) يفترض أن تُخفض هذا المعدل إلى ست وفيات فقط بحلول 2015 ! ورغم أن معظم الدول تسير بخطا جيدة نحو هذا الهدف إلا أن هناك دولا (تسير الى الخلف) ويصعب عليها تحقيق هذا الانجاز بعد خمس سنوات من الآن، ففي العراق مثلا كان معدل وفيات المواليد (عام 1990) يبلغ 24 من كل 1000 طفل . ولكن بعد ثلاث حروب متتالية وعقدين من الحصار الاقتصادي، ارتفع المعدل الآن الى 81 وفاة من كل 1000 طفل . وفي دول أفريقية كثيرة ارتفع معدل الوفيات عموما بدل أن ينخفض بسبب الإيدز والحروب الأهلية المستمرة منذ عقود .. ففي سويزلاند مثلا ارتفعت وفيات الأطفال بنسبة 39% وفي بوتسوانا بنسبة 37% وفي زيمبابوي ب25% وفي الصومال ب17% (منذ عام 1980 فقط) !! وبدون الشك تعد السعودية من الدول التي حققت قفزات نوعية في هذا المجال، ففي الماضي كان عدد المتوفين من المواليد الجدد يفوق بكثير من يتبقى منهم على قيد الحياة . وحين أنظر حولي أتذكر المرحومة "جدتي" التي ولدت 10 أطفال لم يبق منهم غير أربعة ( وهو معدل مفجع يعادل وفاة 600 طفل بين كل 1000 ولادة)! ورغم أن النسبة انخفضت اليوم في العالم أجمع إلا أن دولا كثيرة مازالت تعيش (في زمن جدتي) وترتفع فيها وفيات الأطفال بشكل مفجع، وفي مقدمتها سيراليون والنيجر وأفغانستان والصومال حيث يموت خمس المواليد الجدد وربع الأطفال قبل سن الخامسة . والمحزن هنا أن 90% من الأطفال في هذه الدول يموتون لأسباب بسيطة وغير مكلفة نسبيا مثل الإسهال، وسوء التغذية، والحصبة، والملاريا !! وفي المقابل : تكتب النجاة في سنغافورة ل997 طفلا من بين كل 1000 ولادة .. ويأتي بعدها في الترتيب كل من إيسلندا واليابان والسويد والنرويج وكوريا الجنوبية وهونج كونج (وجميعها لا تزيد فيها نسبة وفيات المواليد عن 3,7 من بين كل 1000 ولادة)! ... باختصار شديد ؛ قد لا نملك شيئا حيال انضمامنا لقائمة ال 74 مليار الذين اندثروا من على سطح الكوكب، ولكن من المخجل فعلا أن ينضم إليهم طفل لم يتجاوز عمره بضعة أيام ... وبسبب ماذا !؟ ... محلول جفاف أو لقاح لا يكلف بضعة ريالات !!