في أكتوبر الماضي كتبت مقالا بعنوان "دول آيلة للسقوط" تحدثت فيه عن أكثر الدول تفككا من الناحية السياسية والأمنية والبنية التحتية . واعتمد المقال حينها على قائمة سنوية تصدرها مجلة "السياسية الخارجية" (Foreign Policy) تقيس أكثر من 21 عنصرا يفترض توفرها في الدول المستقرة مثل ثبات النظام السياسي وارتفاع المستوى الأمني وتوفر الخدمات العامة وانعدام الصراعات الداخلية (وحسب هذه القائمة أتت الصومال / وزمبابوي وتشاد / والكونغو / وأفغانستان / والعراق... في مقدمة الدول المضطربة)! ... غير أن نهاية السنة الميلادية الأخيرة (2009) حفل بظهور قوائم أخرى كثيرة لا تكتفي فقط بتقييم الوضع السياسي والأمني بل وتقيس مستوى التخلف في جوانب أخرى كثيرة مثل الجريمة والوفيات ووضع المرأة وخطورة الاستثمار وتهديد حياة الصحفيين والزوار .. وقبل استعراض أجزاء مختصرة من هذه القوائم أرجو ملاحظة أن انهيار الوضع الأمني والسياسي هو ما يشكل الأساس أو الأصل الذي تتفرع عنه الجوانب السلبية في القوائم التالية، كما يفسر سر تكرار بعض الأسماء في أكثر من قائمة كالصومال والعراق وسيراليون وأفغانستان: فمن حيث وضع المرأة مثلا تأتي أفغانستان في مقدمة المجتمعات الأكثر إساءة للأنثى، فالمرأة هناك لا تعاني فقط من الفقر والأمية والتشدد، بل ومن الزواج المبكر وتحيز القضاء وانخفاض معدل العمر ووو... ! وتأتي بعد أفغانستان كل من الكونغو/ والعراق/ ونيبال/ والسودان/ والصومال......! أما من حيث خطورة الاستثمار فتأتي العراق في المركز الأول بسبب ظروفه الاستثنائية حيث نال 82 نقطة سالبة من 100 على السلم الخاص بمؤسسة الإيكونمست الاقتصادية ... يليها في الترتيب كل من غينيا/ ومينمار/ وزيمبابوي/ وتركمانستان/ وأوزباكستان/ وأوكرانيا/ وفنزويلا....... أما من حيث الفساد فمعظمنا يعرف أن منظمة الشفافية الدولية تصدر كل عام قائمة تقيس مستوى الفساد في العالم (تتدرج من 10 درجات لقمة النزاهة، ودرجة واحدة لقمة الفساد والمحسوبية) .. وفي آخر تقرير أتت في مؤخرة القائمة كل من الصومال/ والعراق/ وميانمار/ وهاييتي/ وأفغانستان (بأقل من درجة ونصف)!! أما من حيث الخطورة على حياة الصحفيين والزوار فتأتي العراق في المقدمة حيث ساهمت ظروفها الداخلية في قتل 25 صحفياً واختطاف 27 زائرا أجنبيا (غير من لم يثبت وجوده في الأوراق الرسمية) .. أما المراكز التالية فشملت دولاً مثل أفغانستان/ والصومال/ واليمن/ وكوبا/ وزيمبابوي/ وقطاع غزة...... أما من حيث نسبة الجريمة فتأتي كولومبيا كأخطر دولة من حيث شيوع جرائم القتل بين المدنيين حيث تنتهي حياة 617 مواطناً من كل 1000 بالقتل العمد.. أما في المراتب التالية فتأتي كل من جنوب أفريقيا/ وكولومبيا/ وجامايكا/ وفنزويلا/ وروسيا/ والمكسيك/ وأستونا...... أما من حيث النمو الحضاري وتوفر الخدمات فتأتي سيراليون في مؤخرة دول العالم -حسب المؤشر العالمي للتنمية- يليها كل من بوركينافاسو/ والنيجر/ وغينيابيساو/ ومالي/ وموزنبيق/ وتشاد/ وأثيوبيا..... وهذا النوع من التخلف ينعكس على الوضع الصحي بشكل عام، ووفيات الأطفال بوجه خاص.. فمن حيث وفيات الأطفال مثلا تأتي سيراليون في مقدمة العالم حيث يموت فيها 262 طفلا من بين كل 1000 طفل تحت سن الخامسة .. يليها في الترتيب كل من أفغانستان/ وتشاد/ وغينيا الاستوائية/ وغينيا بيساو/ ومالي....... أما من حيث تدهور الوضع الصحي ككل فتأتي مقاطعة سويزيلاند (وهي مملكة مستقلة في جنوب أفريقيا) في مقدمة دول العالم، حيث تسجل فيها 31 وفاة بين كل ألف مواطن. يليها في الترتيب أنجولا/ وجنوب أفريقيا/ وليسيثو/ وسيراليون/ وزمبابوي/ وليبيريا وجميعها من الدول الأفريقية السمراء......! ... وكل هذه القوائم مجتمعة تعمل بمثابة دلائل وشواهد تثبت أن التخلف ظاهرة حتمية (بل وتلقائية متوقعة) في حال انهيار النظام السياسي والاقتصادي والأمني في أي بلد .. كما تثبت أن التخلف في مجمله يأتي كنسيج متماسك يشمل الفقر والفساد وتدهور الخدمات وارتفاع معدل الجريمة والوفيات، وهو ما يفسر تكرار بعض الدول في أكثر من قائمة .. وقبل أن تفكر بالذهاب لهذه الدول أقترح أن تغمض عينيك قليلا، وتحمد ربك كثيرا على ولادتك حيث أنت !!