تنظم أمانة محافظة جدة اليوم الخميس في إطار فعاليات التغطية الإعلامية لأحداث موسم حج هذا العام 1425ه عرضاً تاريخياً يستمر لثلاثة أيام دعت إلى حضوره ومشاهدته وسائل الإعلام والقنوات الفضائية العربية والإسلامية والعالمية بهدف اطلاع الوفود الإعلامية على مراحل تطور خدمات الحج عبر مدينة جدة المسماة تاريخياً بوابة الحرمين الشريفين لمشاهدة والتعرف على خدمات الحجيج على مر الزمن شكلاً ومضموناً ابتداء من وسائل النقل والخدمات المختلفة التي تقدم لهم، حيث تعكف إدارة حماية المنطقة التاريخية بأمانة محافظة جدة لإعداد البرنامج المخصص لهذه الزيارة لتعريف الإعلاميين والصحفيين والإذاعيين بهذه المراحل التي استغرقت زمناً طويلاً من التجارب والخبرات المتراكمة. واستنفدت جهوداً جبارة وميزانيات كبيرة للوصول إلى مستوى من الخدمة الأمنية والصحية وخدمات النقل والمواصلات والمتابعة لشؤون الحج وخدمات الحجيج، وهو تاريخ يستحق ان يسجل ويوثق كونه يعكس ردحاً من الزمن كانت خلالها ومازالت هذه البلاد محط الأفئدة والأنظار وملتقى توافد المسلمين في شتى بقاع الأرض وأنحاء المعمورة لأداء فريضة الحج على اختلاف فئاتهم وأعمارهم وجنسياتهم وظروفهم. وفي هذا العام على وجه التحديد والخصوص تحظى مدينة جدة باهتمام خاص وعناية خاصة انطلاقاً من تزامن هذا العام 1425ه مع حدث تاريخي قديم عاشته المدينة قبل 1400 عام تحديداً حينما اختارها الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه ميناء حديثاً لمكة المكرمة والممر البحري الرئيسي والمدخل للبقاع المقدسة بدلاً من منطقة الشعيبة نظراً لوجود الممرات المرجانية البحرية التي تعيق وصول السفن والبواخر إلى مدينة جدة إلا بوجود الأدلة والمرشدين البحريين الذين يقومون بدور هام وهو إرشاد ملاحي السفن لتجاوز هذه الممرات المرجانية لسلامة وصول السفن وموجوداتها. وهو من مقومات اختيار الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه لجدة بدلاً من أي موقع آخر، وقد روت كتب التاريخ والأخبار هذا الحدث كونه نقطة تغير هامة وأساسية في تاريخ الحج ورحلات الحجيج وبداية انطلاقة تاريخية لمدينة جدة بأحداث هذا التحول في مسارها تجارياً واجتماعياً ودينياً. خانات تاريخية قديمة ويتحدث المسؤولون في أمانة محافظة جدة لوسائل الإعلام ومندوبي وكالات الأنباء والصحف العربية والعالمية عن تاريخ رحلات الحج مدعمين حديثهم بالصور والوثائق والكتب وعروض السلايدات التي تحكي على مر التاريخ هذه التجارب التاريخية المتراكمة لأحداث الحج، ابتداء وانطلاقاً من مدينة جدة التي تعتبر الخطوة الأولى في طريق الحجاج لمكة المكرمة حيث كانت جدة تتحول إلى ورشة عمل ويشتغل جميع سكانها بخدمة الحجيج طلباً في تقديم الخدمة، والارتزاق من وراء خدمتهم حيث تتحول البيوت إلى خانات أو فنادق سكنية تأوي الحجيج لحين مغادرتهم للبقاع المقدسة وبعد عودتهم منها لمتابعة الرحلة البحرية التي تعيدهم إلى أهلهم وأوطانهم سالمين غانمين وان الظروف كانت مختلفة والمفارقة كانت بعيدة والمسافة كانت شاهقة القياس بين الماضي والحاضر فإن الحجاج كانوا في الزمن القديم يفدون إلى مدينة جدة عن طريق مينائها البحري قبل موسم الحج بأشهر قد تزيد عن ستة أشهر لضمان أداء الفريضة فكان الكثير منهم يسكنون جدة ويعيشون فيها طوال الفترة لذلك كان من المعروف تآلف سكان جدة مع الحجاج وسمى المؤرخ محمد علي مغربي في كتابه اعلام الحجاز هذه العلاقة بالفريدة من نوعها حتى اتسمت جدة في نسيجها الاجتماعي حسب وصفه بباقة الزهور حيث يعيش فيها الآسيوي والأفريقي والبخاري والشامي والمصري ومن جميع الجنسيات وينصهرون تحت مظلة روحانية الحج انتظاراً لأداء الفريضة وحتى بعد العودة منها في أجواء مفعمة بالتآخي والتآلف والمحبة التي تنبع من هذه الروحانية الخالصة. معالم تاريخية قديمة مدير إدارة حماية المنطقة التاريخية المهندس سامي صالح نوار أكد بأن الأمانة تقوم بجهد لاظهار الصورة الحقيقية المناسبة عن جهود الحج عبر التاريخ في مدينة جدة وهي تستقبل على الدوام عدسات الإعلاميين لتسجيل وتوثيق هذه الأحداث مع الالتفات إلى النواحي التاريخية التي تتسم بها جدة عروس البحر الأحمر وما يتميز بها تراثها العريق فهناك جولة تنظم للوفد الإعلامي الزائر للاطلاع على المنطقة التاريخية بمدينة جدة لرؤية معالمها التاريخية وبيوتها القديمة التي تعد آثاراً يقف عندها الكثير من الباحثين والدارسين والمهتمين بشؤون العمارة الإسلامية القديمة وما تحويه من مفردات عمرانية سجلت تفوقاً لفن البناء التقليدي باستخدام الأدوات القديمة والمواد التي تعتمد على الموارد البيئية المحلية مع مراعاة هذه المباني التي يزيد عمر بعضها عن 300 عام للظروف البيئية والمناخية وذلك يتجلى بوضوح في الارتفاع الفريد للمباني التاريخية القديمة والتركيز على جانب الواجهات واحتوائها بصورة ملفتة للرواشين الخشبية، والطابع الفني العريق والتي تميز تلك الواجهات. وأضاف المهندس سامي نوار بأن من أهم الجوانب أيضاً تعريف الوفود بالمهن القديمة التي ارتبطت بالحج وخدمات الحجيج قديماً من خلال إقامة سوق مصغر لهذه المهن وكلاء الحج والمعداوية الذين يقومون بانزال الحجاج من المراكب البحرية بتنظيم موحد والمرشدين البحريين أيضاً، ومهن أخرى قديمة اشتهرت بها المدينة مثل صناعة الفخار والنجارة والبناء القديم وصناعة التحف والمأكولات الشعبية المعروفة والأقمشة والتطريز ومثل هذه الصناعات قد لاقت رواجاً ونمواً مطرداً عاماً بعد عام لاقبال الحجاج عليها من ناحية ومن ناحية أخرى تأثر المدينة وصناعاتها بفنون متجددة كانت تضيف إلى صناعاتها بامتهان بعض الحجيج العمل في هذه المدينة وطلب الرزق فيها ومكوثهم بها. وجاء في وصف علاقة سكان مدينة جدة بالحجاج كما في كتاب موسوعة تاريخ مدينة جدة لعبد القدوس الانصاري ان ابن جبير كان من أوائل من وصفوا وأوردوا شيئاً عن فنادق جدة المخصصة لسكنى الحجاج وقال بان فيها فنادق مبنية بالحجارة والطين وفي أعلاها بيوت من اخصاص كالغرف وبها سطح يستراح فيها بالليل من أذى الحر، وقال ابن المجاور في القرن السابع الهجري ان جدة كلها خانات أي فنادق سكنية أي ان جميع منازلها ما كان مخصصاً لسكن أهلها تصبح جميعها فنادق في مواسم الحج من أجل انزال الحجاج بها، ومعروف قديماً ان سكان جدة كان الكثير منهم يسكن اسطح المنازل بعد تأجيرهم البيوت لسكنى الحجاج وهي فترة استثمار هامة في حياتهم ليستفيدوا منها وتعينهم على احتياجاتهم وظروف حياتهم.