أكسب مسمى "جدة بوابة الحرمين الشريفين" مكانة كبيرة لمحافظة جدة في الماضي والحاضر جعلها تمر بمراحل استغرقت زمناً طويلاً من التجارب والخبرات المتراكمة واستنفدت جهوداً جبارة وميزانيات كبيرة للوصول إلى مستوى من الخدمة الأمنية والصحية وخدمات النقل والمواصلات والمتابعة لشؤون الحج وخدمات الحجيج، وهو تاريخ يستحق ان يسجل ويوثق كونه يعكس فترة من الزمن كانت خلالها ومازالت هذه البلاد محط الأفئدة والأنظار وملتقى توافد المسلمين في شتى بقاع الأرض وأنحاء المعمورة لأداء فريضة الحج على اختلاف فئاتهم وأعمارهم وجنسياتهم وظروفهم. وتعتبر مدينة جدة الخطوة الأولى في طريق الحجاج لمكةالمكرمة حيث تستقبلهم جوا وبحرا وبرا ويحتفظ التاريخ بعراقتها حيث تعود نشأتها إلى ما يقارب 3000 سنة على أيدي مجموعة من الصيادين كانت تستقر فيها بعد الانتهاء من رحلات الصيد ثم جاءت قبيلة قضاعة إلى جدة قبل أكثر من 2500 سنة فأقامت فيها وعرفت بها في حين كان التحول التاريخي لمدينة جدة في عهد الخليفة عثمان بن عفان عام 647م عندما أمر بتحويلها لميناء لاستقبال حجاج البحر المتجهين لأداء الحج في مكةالمكرمة والممر البحري الرئيسي والمدخل للبقاع المقدسة بدلاً من منطقة الشعيبة نظراً لوجود الممرات المرجانية البحرية التي تعيق وصول السفن والبواخر إلى مدينة جدة إلا بوجود الأدلة والمرشدين البحريين الذين يقومون بدور هام وهو إرشاد ملاحي السفن لتجاوز هذه الممرات المرجانية لسلامة وصول السفن وموجوداتها. وهو من مقومات اختيار الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه لجدة بدلاً من أي موقع آخر، وقد روت كتب التاريخ والأخبار هذا الحدث كونه نقطة تغير هامة وأساسية في تاريخ الحج ورحلات الحجيج وبداية انطلاقة تاريخية لمدينة جدة بأحداث هذا التحول في مسارها تجارياً واجتماعياً ودينياً. وكانت جدة في الماضي تتحول إلى ورشة عمل حيث يشتغل جميع سكانها بخدمة الحجيج طلباً في تقديم الخدمة، والارتزاق من وراء خدمتهم حيث تتحول البيوت إلى خانات أو فنادق سكنية تأوي الحجيج لحين مغادرتهم للبقاع المقدسة وبعد عودتهم منها لمتابعة الرحلة البحرية التي تعيدهم إلى أهلهم وأوطانهم سالمين غانمين وكانت الظروف مختلفة والمفارقة كانت بعيدة والمسافة كانت طويلة والقياس بين الماضي والحاضر كان كبيرا فقد كان الحجاج في الزمن القديم يفدون إلى جدة عن طريق مينائها البحري قبل موسم الحج بأشهر قد تزيد عن ستة أشهر لضمان أداء الفريضة فكان الكثير منهم يسكنون جدة ويعيشون فيها طوال الفترة لذلك كان من المعروف تآلف سكان جدة مع الحجاج وسمى المؤرخ محمد علي مغربي في كتابه أعلام الحجاز هذه العلاقة بالفريدة من نوعها حتى اتسمت جدة في نسيجها الاجتماعي حسب وصفه بباقة الزهور حيث يعيش فيها الآسيوي والأفريقي والبخاري والشامي والمصري ومن جميع الجنسيات وينصهرون تحت مظلة روحانية الحج انتظاراً لأداء الفريضة وحتى بعد العودة منها في أجواء مفعمة بالتآخي والتآلف والمحبة التي تنبع من هذه الروحانية الخالصة. وجاء في وصف علاقة سكان محافظة جدة بالحجاج كما في كتاب موسوعة تاريخ مدينة جدة لعبد القدوس الأنصاري أن ابن جبير كان من أوائل من وصفوا وأوردوا شيئاً عن فنادق جدة المخصصة لسكنى الحجاج وقال بان فيها فنادق مبنية بالحجارة والطين وفي أعلاها بيوت من أخصاص كالغرف وبها سطح يستراح فيها بالليل من أذى الحر، وقال ابن المجاور في القرن السابع الهجري أن جدة كلها خانات أي فنادق سكنية أي أن جميع منازلها ما كان مخصصاً لسكن أهلها تصبح جميعها فنادق في مواسم الحج من أجل إنزال الحجاج بها، ومعروف قديماً أن سكان جدة كان الكثير منهم يسكن أسطح المنازل بعد تأجيرهم البيوت لسكنى الحجاج وهي فترة استثمار هامة في حياتهم ليستفيدوا منها وتعينهم على احتياجاتهم وظروف حياتهم. وأوضح مدير عام السياحة والثقافة بمحافظة جدة المهندس سامي نوار أن من أهم المهن القديمة التي ارتبطت بالحج وخدمات الحجيج قديماً وكلاء الحج والمعداوية الذين يقومون بإنزال الحجاج من المراكب البحرية بتنظيم موحد والمرشدين البحريين أيضاً، ومهن أخرى قديمة اشتهرت بها المحافظة مثل صناعة الفخار والنجارة والبناء القديم وصناعة التحف والمأكولات الشعبية المعروفة والأقمشة والتطريز ومثل هذه الصناعات قد لاقت رواجاً ونمواً مطرداً عاماً بعد عام لإقبال الحجاج عليها من ناحية ومن ناحية أخرى تأثر المدينة وصناعاتها بفنون متجددة كانت تضيف إلى صناعاتها بعمل بعض الحجيج في هذه المدينة وطلب الرزق فيها ومكوثهم بها. وحظيت جدة بأول مطار دولي بالمملكة العربية السعودية وهو مطار الملك عبدالعزيز الدولي الذي تم إنشاؤه منذ 65 عاما والتاريخ يقف شاهدا على رسوخه وعراقته وريادته فهذا المطار هو الذي شهد أول رحلة طيران وهو الذي استقبل طائرة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - التي قدمها الرئيس الأمريكي الأسبق تيودور روزفلت هدية له بقيادة الطيار جو جرانت وتعتبر صالة الحجاج به صالة فريدة من نوعها حيث صممت على شكل خيام غطيت أسطحها بمادة الألياف الزجاجية الممزوجة بمادة التفلون وكل خيمة من الخمسة تتكون من خمسة عشر قبة تبلغ مساحتها 465000 متر مربع وبهذا تكون رابع أكبر صالة للركاب في العالم بعد مطارات هونج كونج وبانكوك وسيؤول وتتكون من موقعين منفصلين يفصلهما طريق بعرض 160م. كما صمم بهذه المنطقة مدرج الطيران ليخدم 10 طائرات ضخمة وهناك مدرج آخر يقع غرب المدرج الأول سوف يستخدم مستقبلاً عند تزايد عدد الحجاج وهناك خمس مبان في كل موقع لخدمة الحجاج كل مبنى منها يحتوي على بوابتين متصلتين بجسرين يقودان إلى الطائرة مباشرة إضافة إلى ما يقارب 120 محلاً تجارياً ومطاعم ومحلات للوجبات الخفيفة ومركز طبي ودورات مياه ويمكن استقبال ما يقارب 50000 حاج يومياً في المواسم. وتعتبر صالة الحجاج بمطار الملك عبدالعزيز في الواقع مطاراً قائماً بحد ذاته مزودة بجميع الخدمات والمرافق الحكومية ووكلاء مؤسسات الطوافة ويتم استخدام هذه الصالة لاستقبال ضيوف الرحمن والذين يفدون سنويا لأداء فريضة الحج بالأراضي المقدسة. كما تحتضن أكبر ميناء في المملكة العربية السعودية وهو ميناء جدة الإسلامي الذي يخدم المدينتين المقدستين مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة ويعتبر الميناء الرئيسي في المملكة الذي يستقبل الحجاج القادمون عن طريق البحر ويتقدم موانئ الشرق الأوسط بمعداته الحديثة ذات التقنية العالية ميناء جدة الإسلامي كما أنه البوابة الرئيسية لحجاج بيت الله الحرام وزوار المسجد النبوي الشريف القادمين بحرا وهو نافذة جدة والمملكة التي تطل علي العالم فعن طريقه تفد90% من حجم البضائع الواردة للمملكة ومما يعطيه الريادة أيضاً حصوله على جائزة أفضل ميناء في قارة آسيا. وتشهد جدة خلال أيام الحج نشاطا في الحركة التجارية من قبل الحجاج في أسواقها ومراكزها التجارية المختلفة من جنسيات مختلفة حيث تتنوع حركة شراء البضائع والسلع والهدايا وفي مقدمتها السبح والسجاجيد والهدايا التذكارية والإلكترونيات والأجهزة الكهربائية الصغيرة والخفيفة والهدايا التي تحمل صورا للكعبة والمسجد الحرام والمشاعر المقدسة إلى جانب الشنط والملابس خاصة تلك التي تحمل الطابع المكي لتقديمها إلى ذويهم بعد عودتهم إلى بلدانهم. وكشف موسم الحج لهذا العام الإقبال الكبير من حجاج الخارج على تلك الأسواق نظرا لرخص ثمن بضائعها الأمر الذي يمكنهم من شراء أكبر قدر ممكن من الهدايا قبل الرحيل إلى بلدانهم الأمر الذي أنعش الحركة الشرائية في أسواق عروس البحر الأحمر وقد قدرت إحصاءات إنفاق الحجاج المتوقع خلال موسم هذا العام بنحو 22.5 مليار ريال بمعدل 3750 ريالا لكل حاج من الخارج. وتعرف محافظة جدة لدى الكثيرين من مرتاديها بأنها مدينة السياحة والاصطياف والمنتجعات المتعددة وهي ليست وجهة سياحية فحسب بل لديها العديد من الوجهات المختلفة تكونت على مر الحقب والعصور فهي النموذج الأمثل لتلاقح الحضارات في منطقة الشرق الأوسط ومن منطلق هذا التمازج الفريد من نوعه بين كافة الأعراق أصبحت جدة من أكثر المدن التي يمكن وصفها بالفريدة من نوعها فهي مدينة نالت هذا التفرد عبر هجرة الحجاج إليها قديما من مختلف دول العالم لتستقبلهم جدة بكل ترحاب وأريحية. وقد دفعهم هذا التمازج إلى الاستقرار في محافظة جدة وتأسيس النواة الأولى لهذا الخليط الاجتماعي المتميز ولذلك نجد أن سكان جدة تنطلق جذورهم من مختلف الأطياف والأعراق المتعددة وهو ما نتج عنه هذه التركيبة المتميزة من أهل جدة. وتمتلك جدة من المقومات ما يتيح لها أن تصبح مركزاً اقتصادياً وسياحياً مرموقاً في منطقة الشرق الأوسط ولديها من الدوافع والمقومات والأفكار والبنى التحتية ما يؤهلها لان تصبح مرموقة أكثر فأكثر خلال السنوات القادمة كما يعتبر كورنيش جدة نموذجاً متكاملاً في التخطيط والتنفيذ فهو بمثابة شرفة واسعة تمتد أمام المدينة على طول الشاطئ وهو متنفس ترفيهي للتنزه روعي فيه أن يلبي اهتمامات كافة شرائح المجتمع ومرتادي بوابة الحرمين الشريفين كما أن عناصر تزيينه بالتشكيلات الجمالية مستلهمة من التراث والتاريخ والفنون العالمية مما جعلته كمتحف مفتوح للجميع. ويمتد كورنيش جدة لأكثر من 100 كيلو متر ويعتبر أطول كورنيش في العالم وتنتشر على امتداده 14 بحيرة صناعية إضافة إلى 123 نافورة من بينها نافورة الملك فهد التي يصل ارتفاع المياه المتدفقة منها 161 متراً ويبلغ عدد الأشكال الجمالية التي تزين الكورنيش 478 مجسماً. وباعتبار جدة بوابة الحرمين الشريفين لجميع القادمين للأراضي المقدسة للحج والعمرة والزيارة بحراً وبراً وجواً أعطى الضوء الأخضر لازدهار الحركة التجارية وتناميها إضافة لكونها الميناء الرئيس للمملكة العربية السعودية تمر من خلاله جميع واردات البلاد من معدات البناء والتنمية إضافة إلى الصادرات بجميع أنواعها. وفرض هذا الواقع التجاري المتميز تنامي نهوض النقل والمناولة والأسواق والمراكز التجارية في ظل النهضة العملاقة في حركة الاقتصاد السعودي حيث أصبحت جدة تضم أكبر وأرقى الأسواق في الوطن العربي من حيث المواصفات والمقاييس العالمية ففي جدة وحدها أكثر من مائتي مركز تجاري ضخم وهي مصممة بأرقى الأساليب المعمارية. وإذا كانت الأسواق والمراكز الحديثة تنتشر في أنحاء جدة فإن أسواق المدينة القديمة محصورة في منطقة البلد وهي السوق الكبير الذي يعتبر من أشهر أسواق جدة وسوق الخاسكية الذي يقع إلى جانب السوق الكبير وهو متمم له وسوق الصاغة لتجارة الحلي والأحجار الكريمة وشارع الشربتلي الذي يضج بحيوية التجارة ونشاطات المصارف وتبديل العملة للحجاج وفيه تباع أهم البضائع المستوردة وأسواق شارع قابل وهي من أهم الأسواق التجارية في جدة وأقدمها وسوق القماش ويقع بين حدود السوق الكبير وسوق الندى وسوق البدو ويقع في الجانب الشرقي من المدينة وأصحاب المحلات فيه لهم خبرات واسعة وصلات تجارية مع عملائهم في القرى المجاورة وسوق العلوي ويقع بين شارع قابل وشارع سوق البدو وسوق اللحوم ويعرف باسم النورية وتشهد هذه الأسواق إقبالا كبيرا من الحجاج وخاصة حين عودتهم من أداء فريضة الحج.