سأسوق قصة الأب العظيم أولاً، ثم أعلّق على محتواها ومقصدها "سأل أحد العظماء ولده - وكان نجيبا -: أي غاية تطلب في حياتك يا بني ؟ وأي رجل من عظماء الرجال تحب أن تكون ؟ فأجابه : أحب أن أكون مثلك . فقال : ويحك يا بني لقد صغِّرت نفسك ، وسقطت همتك، فلتبكِ على عقلك البواكي، لقد قدّرت لنفسي يا بني في مبدأ نشأتي أن أكون كعلي بن أبي طالب، فما زلت أجد وأكدح حتى بلغت تلك المنزلة التي تراها، وبيني وبين علي ما تعلم، من الفارق والمدى الشاسع، فهل يسرك وقد طلبت منزلتي أن يكون ما بينك وبيني من المدى مثل ما بيني وبين علي ؟ . " المرجع : مؤلفات مصطفى المنفلوطي الكاملة ، عنوان المقال (النبوغ) . أعلّق فأقول ، وبمعنى أكثر وضوحاً يجب أن يكون قياس الفائدة ليس مقترنا بمدة البقاء مع الأسرة والأبناء، بل تقاس بحسن الاستفادة والتخطيط والتوجيه لتلك الجلسات وحضور الحكمة التربوية أثناءها ، فهناك آباء يمضون مع أبنائهم وأسرهم في اليوم الواحد ساعتين أو أكثر، ظناً منهم أن طول الفترة هو المقياس السليم على جودة الرعاية والاهتمام والمتابعة، وفي الحقيقة أن عامل الطول مع أهميته يبقى تأثيره محدوداً قياسا بنوعية تلك الجلسات وحسن توظيفها تربويا، والاستعداد لها بفكرة أو تمرين تربوي ، فبعض الجلسات تشم خلالها دون قصد رائحة الأوامر والطلبات المباشرة دون مراعاة لسن الطفل وفكره ، والتي تعمق الفجوة بين الطرفين، وتزيد من عمق التباعد النفسي الذي له أبعاده الخطرة مستقبلا، وتضعف الرغبة في حضور تلك الجلسات، فتصبح تلك الجلسات عبئا إضافيا مزعجا يحاول الجميع تجنبه وتلافيه. مشكلة الكثير منا هو جهله بأسلوب "فن لفت الانتباه والتوجيه عبر الملاحظات السريعة" كما فعل الأب العظيم، ففي دقائق محدودة وكلمات قليلة استطاع أن يضع له خارطة لحياته ومستقبله، ترتقي بهمته وطموحه باستخدام فن لفت الانتباه.