يُشكِّل حضور المبدع الحريص على تقديم أعمال مُتميزة إضافةً كبيرة للوسط الذي ينتمي إليه أو للفن الذي يُمارسه، ورغم كثرة المُنشدين الذين برزوا خلال الفترة الماضية إلا أن قلّة منهم هم الذين شكّل حضورهم إضافة لساحة الإنشاد، واستطاعوا تقديم أعمال مُثيرة للإعجاب بشكل تراكمي مُستمر، وخالد المري (العذب) أحد أولئك وأبرز الذين انطلقوا بقوة وما زال مُحافظاً على مستوى أعماله التي يُنافس بعضها بعضاً من حيث التميز وتكامل عناصر الإبداع. منذ عمله الأول الذي حقق نجاحاً كبيراً وعرّف به الجمهور وهو شيلة (يا هيه) للمبدع محمد بن فطيس ومروراً بأعمال عديدة عُرضت له أو قدمها من خلال برنامج (أعذب الأصوات) أو من خلال الأمسيات ووصولاً إلى ديوانه المشترك مع المنشد هادي المري والعذب يُبهر الجميع بشيلات رائعة وقادرة على مُلامسة مشاعرهم وكسب إعجابهم، وأعتقد أن التميز في الشيلة لا يقترن بجمال صوت المنشد أو بجودة القصيدة المُختارة ولا حتى بتجميل الأداء بالمؤثرات الصوتية فحسب، فكثير من المُنشدين يمتلكون أصواتاً جميلة ويجتهدون كل الاجتهاد لاختيار الكلمات الجيدة ومع ذلك لا يُحالفهم التوفيق ولا تجد أعمالهم القبول المأمول، ونتذكر قبل ثورة الإنشاد أننا كُنّا نستمع لشيلات الشاعر الكبير أحمد الناصر الشايع -على سبيل المثال- ونُعجب بها وتؤثر فينا دون أن يحتاج الأمر لكثير من الحديث عن التجديد أو لإضافة المؤثرات الصوتية، والسر في ذلك -وهو ما أعتقد أن العذب قد أدركه والتزم به - هو توفر عامل مُهم للنجاح وهو صدق وحرارة التفاعل مع القصيدة والإحساس بكلماتها، وأظن أن كثيراً من المنشدين يجهلون هذه النقطة لذلك نجدهم يُسرفون في الحديث عن مسألة اختيار الألحان والتجديد فيها دون مراعاة مسألة المواءمة بين دقة اختيار القصيدة والتفاعل مع مضمونها بشكل ممتاز وصادق. مع عدم إمكانية نفي حجم التميز والإبداع في الألبوم المشترك الذي جمع بين العذب وهادي المري إلا أنه كان من المُنتظر منه بعد تراكمية الأعمال المتميزة التي قدمها سابقاً أن يقوم بطرح ألبوم إنشادي مُستقل وخاص به ومُتناسب مع لهفة الجمهور وانتظارهم لأعماله، لاسيما وأن العديد ممن هم أقل موهبة ونضوجاً من موهبته وتجربته استقلوا بإصداراتهم الخاصة، ومع أن المُنتظَر لم يحصل إلا أن هناك ما عوّض لهفة الانتظار حيث يجد المُستمع تميزاً كبيراً للعذب سواء في الشيلات المشتركة لقصائد مثل: (العقاب) لابن فطيس و(القنص) للشاعر الكبير محمد الخس، أو الشيلات التي أنشدها منفرداً، وفيما يخص القصائد التي قام بأدائها بشكل فردي فقد تميز بشكل لافت في إنشاد قصيدة (محريٍ بالخير) للشاعر المبدع خالد بن مدعث الدوسري بالإضافة إلى قصائد: (إكرام للماضي) للمبدع حمد ال فطور و(ياللي ليا جيت) للشاعر الكبير سعد بن جدلان. ثمة نقطة إيجابية ينبغي الإشارة إليها أخيراً وهي ملاحظة خروج العذب في بعض أعماله الأخيرة من إطار العزف على وتر الحزن –الذي تميّز وعرف به- بألحان ذات إيقاع سريع أو تميل إلى السرعة كما في (ياللي ليا جيت) أو (يا عبد الغني) للشاعر الرائع فلاح القرقاح. ولا شك أن حصر المُنشد لنفسه في إطار مُحدد قد يوقعه في الرتابة ويبعث الملل في نفوس مُستمعيه، والأعمال التي أشرت إليها تدل دلالة أكيدة وواضحة على رغبة العذب في مواصلة تميزه وتفوقه على معظم المنشدين بنوعية الأعمال التي يطرحها بعيداً عن النمطية أو التذبذب. محمد بن فطيس خالد المري (العذب) سعد بن جدلان حمد آل فطور فلاح القرقاح