عُرف التخدير مع بدايات الجراحة في العصور الإغريقية واليونانية القديمة وحتى العهد الإسلامي، وكل ما وُجِدت الجراحة وُجِد التخدير، حيث استخدمه قدماء الفراعنة والصينيون والهنود،؛ لتسهيل مهمة الجراح والتيسير على المريض. والتخدير علم قائم بذاته، وهو فرع من فروع الطب يُعنى بحالة المريض خلال فترة العملية الجراحية وما قبلها وبعدها، حيث يُستخدم لتخدير المريض عدَّة عقاقير منها "الغازات النفَّاذة" التي تُعطى عن طريق الكمَّامة والأنبوب التنفسي، ومنها ما يُعطى عن طريق الوريد، إذ يتم من خلالها تخدير المريض طوال فترة العملية. د.كعكي: وعي المريض غير كافٍ لمنح الثقة يُعرَّف "التخدير" من الناحية الطبية بأنَّه: إلغاء الشعور بالألم بتاتاً.. وقد أصبح "التخدير" في الوقت الحالي الوسيلة الآمنة والفعالة في إلغاء الشعور بالألم، إذ يتم من خلاله إعطاء المريض مواد مُخدرة عن طريق الوريد تؤدي لفقدانه الوعي بصورة مؤقتة مع الحرص على المحافظة على درجة الوعي التي سيعود إليها المريض بعد انتهاء العملية الجراحية. والقهوة والشاي لا تؤثران.. والجرعة بحسب الوزن وعلى الرغم من أهمية "التخدير" إلاَّ أنَّه يظل الجزء المجهول بالنسبة للمريض؛ نتيجة المعلومات القليلة التي يمتلكها العديد من المرضى عنه؛ لدرجة أنَّ بعضهم قد تنتابه حالات من الهلع بمجرد أن يلتقي بطبيب التخدير داخل غرفة العمليات، بل إنَّ بعضهم قد يغامر باتخاذه قرار الامتناع عن إجراء العملية قبل بدئها بوقت قليل؛ خوفاً من أن تغمض عيناه للأبد، ومن هنا فإنَّ درجة الوعي اللازمة عن "التخدير"، والثقة في فني التخدير غير كافية لجعل المريض يثق في هذه المرحلة الهامة من مراحل العملية. ولا يزال "التخدير" هاجسا يؤرق كل مريض سواءً أكان موضعياً أو كاملاً، حيث يدخل المريض وأهله في جملة من الحسابات المعقدة حياله؛ خوفاً من تجارب قاسية دفع فيها بعض المرضى حياتهم ثمناً لأخطاء طبية سُجلت باسم "التخدير"، بل إنَّ البعض قد اتخذ قراره بتحميل التخدير مسؤولية ما حدث قبل أن تدور عجلة التحقيقات الرسمية في أسباب الوفاة. التخدير لا يزال هاجساً يؤرق كل مريض سواءً أكان موضعياً أو كاملاً الخوف من المضاعفات وقالت "فريدة الغامدي" إنَّها لازالت تتذكر تلك اللحظة التي رأت فيها ابنها "محمد" وهو مُمدَّد فوق سريره، بعد أن تم حقنه بإبرة التخدير استعداداً لإجراء عملية الزائدة الدودية، مُضيفةً أنَّ قرار العملية كان أسهل من رؤية حقنة التخدير، معللة ذلك بالخوف من زيادة الجرعة، مُشيرةً إلى أنَّ العديد من الناس يتخوفون من هذه الحقنة، حيث قد يعتبرها كثيرون بمثابة الإبرة القاتلة التي قد لا ينجو منها أحد، وإن نجا فقد لا يسلم من آثارها السلبية، والتي قد تتسبب عادة في الإعاقة، لافتةً أنَّ وسائل الإعلام تطالعنا من وقت لآخر بقصص لعدد من ضحايا إبرة التخدير. نقص الأكسجين أحد أخطر مضاعفات التخدير عيادات متخصصة وأوضح "يسلم الزيلعي" أنَّ ضعف الوعي ساهم بشكل كبير في وضع طبيب التخدير في قفص الاتهام، وتحديداً بعد قصص الموت أو الإعاقات التي يتعرض لها بعض المرضى، مُشدداً على ضرورة إيجاد عيادات متخصصة لأطباء التخدير في المستشفيات، بحيث يتمكن المرضى من مراجعتهم والتعرف عليهم وعلى طبيعة عملهم، لافتاً إلى أهمية حرص طبيب التخدير على خلق نوع من العلاقة الودودة بينهما، بدلاً عن أن يراه المريض لدقائق معدودة في غرفة العمليات قبل أن يغيب عن الوعي، ثم يغادر غرفة العمليات. د.عبدالله الكعكي "موضعي" و"كامل" وأوضح "د.عبدالله محمد كعكي"- رئيس قسم التخدير والعناية المركزة بكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز- إنَّ الفرق بين التخدير "الموضعي" و"الكامل"، أنَّ "الموضعي" عبارة عن تخدير جزء من جسم الإنسان، إمَّا على شكل تخدير نصفي، ويُعطى عن طريق إبرة الظهر، أو حول النخاع الشوكي، أو دون النخاع، حيث يتم إجراء العملية والمريض مستيقظ ومدرك لما حوله، وأحياناً يكون التخدير "الموضعي" بتخدير جزء من جسم الإنسان كالطرف العلوي، أو السفلي، أو تخدير البطن، والصدر، مُوضحاً أنَّ تخدير "الأطفال" يختلف كثيراً عن تخدير "الكبار"؛ نظراً للتركيبة الجسمانية لكلٍ منهما، مُشيراً إلى أنَّ "الأطفال" أكثر عُرضةً لنقص "الأكسجين" من "الكبار"؛ لأنَّ حاجة "الأطفال" للأكسجين عالية جداً؛ لأنَّهم برئات صغيرة، ولا يزالون في طور النمو، لافتاً إلى أنَّ تعرضهم لنقص "الأكسجين" ينتج عنه مضاعفات كبيرة، مُبيناً أنه لا يوجد صعوبة في تخدير "الكبار"، إلاَّ عندما يكون لدى المريض أزمة قلبية، أو أمراض مُزمنة كالسكر، وارتفاع ضغط الدم، أو الفشل الكبدي، والكلوي، لافتاً إلى أنَّه يتعين على الطبيب هنا تعديل وضع التخدير بما يتناسب مع حالة المريض، ودون الإضرار به. وقال:"لا توجد سلبيات في حالات التخدير التي تستغرق ساعات طويلة متى ما كان هناك اهتمامٌ بالمريض من حيث مراقبة العلامات الحيوية، ودرجة الحرارة، ونسبة السوائل، إضافة إلى استبدال الدم المفقود"، مُضيفاً أنَّ هناك مضاعفات قد تنتج نتيجة الضغط على الأنسجة بسبب النوم لساعات طويلة، أو قد ينتج فقدان للسوائل، وذلك عندما لا يكون هناك حرص كبير من جانب أخصائي التخدير في حالات البنج الطويلة التي تستمر ليوم ونصف. عيادة التخدير وأضاف أنَّ دور طبيب التخدير يبدأ قبل العملية الجراحية، مُشدداً على ضرورة زيارة المريض عيادة التخدير قبل إجراء العملية، ومقابلة الطبيب للإجابة على جميع التساؤلات، ومناقشته في طريقة التخدير، مُضيفاً أنَّه يتم بعد ذلك تحضير المريض لإجراء العملية، يلي ذلك مرحلة التخدير داخل غرفة العمليات، مُوضحاًً أنَّ مهمة طبيب التخدير تستمر إلى ما بعد إجراء العملية الجراحية، حيث لابد أن يتأكد بأن المريض لا يعاني من أيَّة آلام ناتجة عن تلك العملية، مُؤكداً على أنَّ مهنة "طبيب التخدير" متاحة للجميع دون استثناء؛ في ظل النقص الحاد في عدد أطباء التخدير بالمملكة، حيث إنَّ نسبة السعوديين تعادل (15%) فقط من مجموع أطباء التخدير العاملين بالمملكة، لافتاً أنَّ فرص التدريب متاحة، كما يتم منح الزمالة السعودية؛ من خلال التدريب المحلي، ومن خلال "الهيئة السعودية للتخصصات الصحية" أو الابتعاث لدول متقدمة، كأمريكا، وأوروبا لإكمال الدراسات هناك. خطأ تاريخي وأرجع سبب النقص الحاد في تخصص التخدير، إلى أنَّ هناك ثمّة خطأً تاريخياً يتم تناقله عن خطورة مهنة التخدير، مُشيراً إلى أنَّ طبيب التخدير غير معروف لدى كثير من المرضى، حيث يتعرفون على الجراح ويستمرون في التواصل معه، بينما تنتهي علاقتهم بطبيب التخدير فور انتهاء العملية الجراحية، مُضيفاً أنَّ من بين تلك الأسباب أيضا أنَّ الكثير من الأطباء يبحثون عن الشهرة، وبالتالي فإنَّ هذه المهنة لا تناسبهم، بالإضافة إلى أنَّ "التخدير" من التخصصات عالية الخطورة، كما أنَّ فيه نوعاً من الصعوبة عند التخصص، لاشتماله على جميع فروع الطب، لافتاً إلى أنَّه وعلى الرغم من صعوبة وخطورة هذا التخصص، حيث يحتاج فيه الطبيب إلى اطّلاعٍ دائم، وتطوير مستمر لقدرات الطبيب، إلآَّ أنَّ المميزات المالية مماثلة لجميع التخصصات. البنج الكامل وعن المسؤولية التي قد يتحملها طبيب التخدير عند ظهور مضاعفات ما بعد العملية، أكَّد "د.الكعكي" على أنَّ كل حالة يجب أن تدرس على حِده، مُضيفاً أنَّ المضاعفات قد تكون ناتجة من الجراحة والتخدير معاً، وهنا لا يمكن إلقاء اللوم على طبيب التخدير أو الجراح إلاَّ بعد التأكد من الحالة، مُشيراً إلى أنَّ هناك نوعا من التعجّل يرافق الكشف عن مثل تلك الحالات، خاصةً من قِبل بعض وسائل الإعلام، مُرجعاً تخوُّف بعض المرضى من إجراء العمليات تحت البنج الكامل إلى خوفهم من المضاعفات، مُبيناً أنَّ مردَّ ذلك يعود إلى أنَّ المريض قد لا يلتقي طبيب التخدير إلاَّ في غرفة العمليات، وبالتالي تصبح العلاقة بينهما عابرة وقصيرة ولثوان معدودة، لافتاً أنَّ هناك تضخيماً للمضاعفات التي قد تحدث في هذا المجال، مُستشهداً بحالة وفاة فنانة عربية قبل فترة من الوقت حيث أُشير آنذاك إلى أنَّ الوفاة حدثت بسبب التخدير، بينما يعود السبب الحقيقي للوفاة إلى نقص حاد في "الأكسجين" نتج عن خلل في أنبوبة التنفس، حيث خرجت من موضعها، ومع ذلك فإنَّ هناك تخوفاً غير مُبرّر لا يزال ملازماً لبعض أفراد المجتمع عن التخدير بشكل عام، مُؤكداً على أنَّ التخدير في الوقت الحالي وصل لدرجة عالية من الأمان، نتيجة توفر أجهزة مراقبة تجعل الطبيب قادراً على معرفة أيَّ خلل قد يحدث. زمن التخدير وقال إنَّ زمن التخدير قد يصل إلى (36) ساعة، وذلك بحسب الحالة المرضية، نافياً إعطاء المريض جرعة زائدة أو ناقصة، مُشيراً إلى أنَّ ذلك يتم وفق عمليات حسابية مبنية على معرفة وزن المريض، ومواصفاته، ومن ثمَّ يتم إعطاؤه الجرعة المناسبة، مُبيناً أنَّ هناك بعض الحالات التي ظهرت بسبب أخطاء حدثت من قِبل بعض أطباء التخدير نتج عنها زيادة في الجرعة، وأدّى ذلك إلى حدوث مضاعفات مصاحبة، كانخفاض ضغط الدم، أو تباطؤ في ضربات القلب، مؤكداً على أنَّه من الممكن علاج تلك الحالات، لافتاً أنَّ معظم أطباء التخدير المتمكنين يعطون أولاً الجرعة بناءً على وزن المريض، وحالته الصحية، حيث أنَّه لا وجود لمسمى "جرعة زائدة" إلاَّ في أذهان بعض العامة، وأنَّ الأمر في حقيقته لا يزيد عن كونه مضاعفات ناتجة عن نقص "الأكسجين". موت الدماغ وأضاف أنَّ نسبة المضاعفات التي تنتج عن التخدير تُقدَّر بحالة واحدة من بين (10) آلاف حالة، وإلى حالة واحدة من بين (100) ألف حالة، مُشيراً إلى أنَّ تلك النسبة تُعدُّ نادرةً جداً، مُبيناً أنَّه لا يوجد تضاد بين المنبهات والتخدير، إلاَّ أنَّ من يتناول المشروبات المنبهة قد يحتاج لجرعة زائدة أو اقل حسب نوعية ذلك المشروب، مُؤكداً على أنَّ التدخين يؤثر على وظائف الرئة، وعلى مدى احتياج المريض ل "الأكسجين"، لافتاً أنَّ القهوة والشاي لا تؤثران على التخدير، موضحاً أنَّ أسوأ المضاعفات التي تنتج عن التخدير تتمثل في الموت الدماغي، وذلك نتيجة نقص وصول الأكسجين للدماغ؛ ووقتها تموت الخلايا الدماغية، إضافةً إلى الذبحة الصدرية، على الرغم من نُدرتها.