سلكت الحكومة الجديدة طريقها إلى الضوء بعد التكليف الذي صار مضمونا اليوم للنائب تمام سلام إثر التوافق السياسي بين قوى 14 آذار وتحديدا الرئيس سعد الحريري ورئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط وقبول تسميته من قبل قوى 8 آذار، وهذا ما بينته الاستشارات النيابية الملزمة التي شرع بها أمس رئيس الجمهورية ميشال سليمان تبعا للبند 2 من المادة 53 من الدستور. علامات استفهام كثيرة مطروحة اليوم: هل سينجح تمام سلام في تأليف الحكومة في الأمد المنظور أم ان ثمة عراقيل وألغاماً ستزرع في طريقه وخصوصا عند اختيار الحقائب الوزارية وما قد تولّده مواقف بعض الأطراف المتشددة في الاحتفاظ بحقائب معينة وخصوصا العماد ميشال عون؟ أسئلة أخرى تقفز إلى الواجهة السياسية في لبنان هل هذه الحكومة ستمهّد لقيام انتخابات نيابية في حزيران المقبل أو بعده بقليل أم أن عمرها ( في حال شكلت) سيكون طويلا بطول الأزمة الممتدة على وقع ما يجري في سوريا؟ وهل سيتمكن سلام من اجتياز الألغام السياسية والأمنية المقبلة أم لا؟ وهل سيكون لبنان أم تجربة غير مسبوقة في أن يكون لديه رئيسين للحكومة واحد لتصريف الأعمال وآخر للتأليف؟؟ حتى اليوم لا إجابات واضحة لدى الفرقاء اللبنانيين، وسط جوّ سائد بأن الرئيس المكلّف بدّل الهواء السياسي الذي كان سائدا في العامين السابقين، وأعطى نفسا جديدا سينعش لبنان وعلاقاته العربية بلا محالة. ووجه تمام سلام ابن الزعيم السني البيروتي المعروف صائب بك سلام مريح ومطمئن للجميع، وشخصيته غير المشاكسة والمنفتحة على جميع الأطراف قد تكون عنوانا للمرحلة السياسية القادمة إذا تمكّن من تشكيل حكومة وفاقية، هو المعروف عنه براعته في تدوير الزوايا. الرئيس المكلّف استمر طيلة يوم أمس وحتى قبل بدء الاستشارات النيابية في قصر بعبدا في استقبال الوفود المؤيدة له في منزل عائلة آل سلام في المصيطبة، وقد توافد البيروتيون خصوصا للتعبير عن سعادتهم بالخيار " الصائب" لتمام الملقّب "بالسياسي الآدمي". سيرة سلام وفي سيرة رئيس الحكومة الجديد أنه ابن آل سلام الذين يرقى وجودهم في بيروت إلى العام 1840 مع جدّه عبد الجليل سلام الذي قاوم التحالف العثماني الأوروبي عام 1840 بعد أن خاض حرب إخراج إبراهيم باشا المصري من بلاد الشام. انكفأ سلام من الواجهة السياسية ومن رئاسة المقاصد الإسلاميّة في آن هو الذي انتخب عضوا في مجلس أمنائها العام 1978 ثمّ خلف والده صائب سلام رئيسا لمجلس الأمناء فيها عام 1982. آثر ترك المؤسسة التي ارتبط بها 18 عاما والتي ترأسها والده صائب سلام على مدى 24 عاما وجدّه أبو علي سلام في بداية القرن عام 1909 ووالد جدّه علي سلام أحد تجّار بيروت الذي كان من المؤسسين عام 1878، كذلك انكفأ عن الحياة السياسية النيابية عام 2000 بعد أن اكتسح الرئيس الشهيد رفيق الحريري مقاعد بيروت كلها فخسر سلام مقعده الذي كان ربحه عام 1996، لكنه عاد وزيرا للثقافة في حكومة فؤاد السنيورة عام 2008، وخاض الانتخابات عام 2009 على لائحة سعد الحريري ونجح. ولد تماّم سلام في 13 أيّار عام 1945 والده الزّعيم صائب سلام ووالدته تميمة مردم بك من العائلات السياسية السورية العريقة. هو الصبيّ الأوسط بين شقيقتين ثريا وعنبرة، وبين فيصل وعمر. ترعرع حتى سنّ السابعة في رأس بيروت حيث كان البيت الوالدي في شارع السادات. عام 1952 انتقلت العائلة إلى بيت جدّه أبو علي سلام في المصيطبة بعد أن بدأت المهمات السياسية تتراكم على والده. في المصيطبة، درس تمّام في مدرسة الLycee de jeunes filles ، القريبة من المنزل وكانت تستقبل الصبيان والبنات لغاية صفّ الشهادة الابتدائية. إثر أحداث ثورة 1958 في لبنان ضدّ الرئيس كميل شمعون والتي كان صائب سلام في طليعتها صار البيت غير مريح للأولاد فأرسل الوالد تمّام وشقيقه الأصغر فيصل عامين إلى مصر حيث درسا "فيكتوريا كولدج"، بعدها عادا إلى لبنان للالتحاق في مدرسة برمانا العالية، هناك حاز سلام "الهاي سكول"- الثانوية - . في تلك الفترة أي في بداية الستينات، بدأ وعي تمّام السياسي يتفتّح، وصار يتحسّس بالتطوّرات الجارية في البلد ويرافق مع شقيقه فيصل الوالد في مهمّاته السياسيّة. عام 1964، سافر إلى إنكلترا حيث درس الاقتصاد لمدّة عامين ولم يكمل إذ عاد إلى لبنان لينخرط أكثر في العمل السياسي مع الوالد، وأسس عام 1969 شركة تجارية. لكنّ الحرب التي داهمت لبنان عام 1975 جاءت على حساب عمله التجاري ودفعته أكثر إلى الانغماس في السياسة ، وأسس عام 1973 حزب "حركة روّاد الإصلاح". الحرب وبشاعتها لم تنجح في جرّه إلى خضمّها ،" عام 1975 كدت أتورّط في العمل المسلّح في شكل مستقلّّ وسط الجوّ المحيط آنذاك، هذا الأمر دام عدّة أشهر إذ نظّمت نوعا من الميليشيا من المحازبين والأنصار، حملنا السلاح دفاعا عن النّفس، لكن بعد بضعة أشهر ولمّا رأينا أنّ الأمور تنحدر نحو الأسوأ وقد تعدّت إطار الدّفاع عن النّفس، وصارت حرب استنزاف وتدمير للبنان وزهق لأرواح اللبنانيين انسحبنا ولم نكمل التحرّك وحوّلت نشاطي إلى العمل الاجتماعي"، يقول سلام في إحدى مقابلاته. هكذا انضمّ سلام إلى جمعية المقاصد عام 1978 مكرّسا كلّ وقته لها وساهم في إنشاء أجهزة متطوّرة فيها منها جهاز الدّفاع المدني ووسّع نشاطه في المؤسسة إلى أن انتخب رئيسا لها عام 1982، وصار يتعاطى عبرها الشأنين الاجتماعي والوطني قبل انكفائه. لتمّام سلام ثلاثة أولاد، صائب وتميمة وثريا، وهو متأهل ( زواج ثان) من لمى بدر الدين.