في الغالب الأعم أنه عندما يسمع الشاعر قصيدة ذات مضامين جزلة في قوالب من العبارات بليغة، فإنها تستحثه للتوقف عندها وتجبره على أن يتفاعل معها، سواء عرف صاحب القصيدة أو لا يعرفه، وأؤكد هذا كما نورد القصائد هنا بغض النظر عن نسبة القصيدة لشاعر أو توثيقها له، فالذي يهمنا هنا المضامين فقط. فالشاعر الذي تلقاها من شاعرها الذي ابتدأها أولا، يحلق في الأجواء ذاتها، ويبادر بالتجاوب حيالها أو مجاراتها، مهتما في الأساس بمضامينها التي توافقت مع شعوره ووافقت إحساسه وذائقته وكأنه يعبر عنه، وذلك في لحظة وصولها إليه وسماعها في وقت يكون مستعدا لمثل هذا التفاعل. ولا شك أن للجودة نصيبها الأكبر في عملية التأثير بل هو الأساس، لأن الشاعر المتلقي يميز ويدرك بما لديه من ميل ومقاييس وموهبة وذائقة، القيمة التي تحملها العبارات والمعاني في القصيدة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، لأن الحصر في هذا المجال غير ممكن، بسبب كثرة ما يتكرر من هذا النوع من المجارات والتجاوب والتفاعل المستمر المتعدد، نأخذ قصيدة الشاعر سعد بن مناحي القحطاني أو هكذا تروى عنه، يقول فيها: الطيب فرصه والجمايل توافيق ومن لا توفق ماكتِب له جماله ومن لارقى للطيب روس الشواهيق مازان له وقته على مابدا له وما دام لفعول الجمايل عشاشيق كسب الجمايل مايجي بالسهاله ولو انها تشرب على فكّة الريق كلٍ خذا له كل ما أصبح بياله والطيب منوه للقلوب المشافيق كلٍ يتوق ومنوته راس ماله والمدح ما يزهى على الرجل ويليق الاّ لصارت وافيات خصاله يستاهله رجل يفكّ المزانيق اللي يقال ونعم لاجا مجاله ومن ساقته نفسه وهو ما بعد سيق لأجل الجميل يزيّن الله فاله والمرجله ما هي بتحتاج تنسيق من بين قلب اللي عشقها وباله ومن عادة الدنيا تخون المواثيق تفترّ مكرتها سواة المحاله ولولا اللوازم ماعرفنا المخاليق مانعرف الرجّال لين نعنى له والكفو تظهر فزعته حزة الضيق وينشاف في الشده بعين العداله نسل الرجال متعّبين الملاحيق متوسط من بين عمه وخاله واللي يطيق ولا بغي قال ما أطيق تحرم عليه المرجله والشكاله والهيّنه تكبر على اللاش والهيق له في الرخاء قاله وفي الضيق قاله والطيب شاره والضماير صناديق واللاش طيبه ما تعدّى ظلاله وأنا أسبر قلوب الرجال المغاليق والصامت أقطع غايته من مقاله ومادام في الدنيا رجال ومطاليق نصيتهم واللاش مالي وماله ويجاري الشاعر: فارس الدبالين الدوسري، ما قاله القحطاني، وربما قبل أن يعرف لمن تكون، متأثرا بما وصله من تلك المعاني، وبهذا يكون متفاعلا، وبشكل إيجابي معها ومن خلال جودة المضامين في كلا القصيدتين، وتوافق الشاعرين في بلوغ المعاني نفسها، ويفسر أيضا بأنه إعجاب وتلاق على المعاني الرفيعة التي وردت في ثنايا الأبيات، فيقول فارس. ثارت بيوت الشعر وسط المعاليق وهاجوس فكري فز واومى عقاله يامرحبا عد الحمام الغرانيق وعد السحاب وعد مامطر خياله والصاحب اللي ما يعرف التلافيق تعرف علومه من معاني مقاله ياصاحبي بحر المراجل تسابيق ومن لا يغوص افبحرها عزتا له المرجله مرقى وفيها تواهيق واللي يخوض الصعب للطيب ناله عسر منال الطيب عند المطافيق اللي على الدنيا طوتهم جهاله والحر حر وماكره فالشواهيق وكر على العقبان صعب مناله حرٍ على نيل الصعيبات ماعيق واجب لزومه ياصله ويعنى له ابشر بعزك حزة اليسر والضيق انا فيمينك سيف حكم العداله أحكم على الضيقات لين انها تفيق وعلم صدوف الوقت منهي رجاله ياصاحبي دام الغلى فالصناديق وشلون مقضي لازمك في مجاله أنا عضيدك لا جفوك المخاليق خل الحمول و خل حملك وانا له ما للحمول إلا الجمل لو ما سيق شال الحمل لو اتعبنه حباله الطيب رزق وفي المراجل مرازيق وعند النشاما ما تضيع الجماله وما فيه ضيق إلا وآخرته توافيق يالله عسانا نحتمي في ضلاله ويالله عسانا فالقيامه معاتيق يوم البشر جمعا وكل بحاله وصلاة ربي خاتمه للطواريق على نبي الله و صحبه وآله والتفاعل مع القصيدة التي ينتجها الشاعر وترد للمتلقي بكل أنواع التفاعل، وأوضحه وأعمقه بالطبع هي المجاراة، يعد صدى مهما مثل هذا التفاعل، وتغذية راجعة يعتز بها شاعر القصيدة بالحجم الذي يكون عليه التفاعل أو أكثر، والعكس صحيح أيضا في بعض الحالات حيث يحبط عندما تكون ردود الفعل والتغذية الراجعة له باهتة المعالم أو ضعيفة، وأشد من ذلك إن كانت معرضة معارضة عاتبة، ولهذا يعمل الشعراء جهدهم على أن تتكامل أجزاء القصيدة وتتواءم مع مكوناتها ومضامينها وأهدافها فالميدان يكشفها فيقبلها أو يرفضها. وكلما تفاعلنا مع القصائد النبيلة شجعنا على نمائها وازدهارها وتواجدها، وكلما قابلنا بالرفض كل ضعيف أو هزيل المحتوى قللنا تواجده وتخلصنا منه وانسحب من الساحة.