"يُمنع منعاً باتاً".. عبارة حفظها المواطنون عن ظهر قلب، فلا مجال للتطاول على الأنظمة التي تصدر من الجهات الحكومية، ولا مناص من حزمة من العقوبات التي تطبق بحزم كبير على من يتجاوز النظام؛ مما ساهم في تنظيم الحياة العامة بشكل كبير، بل وجعل المملكة مضرب المثل في الحزم!. وعلى الرغم من أن تلك الأنظمة كانت واضحة وتتمتع بآليات محكمة لمتابعة تطبيقها، وفرضها بشكل مكّنها من التأثير في المشهد العام، إلاّ أن العقد الأخير شهد تحولاً بارزاً في سياسية إصدارها، وكذلك آليات تطبيقها، حيث أسرفت جهات حكومية مختلفة في إصدار بعض القرارات مُتضمنةً عبارة "يُمنع منعاً باتاً"، إلاّ أنها لم تتمكن من فرض تطبيقها على أرض الواقع، مما أفقد تلك الأنظمة قيمتها، وقلّل من هيبة إصدارها والتشريعات التي يرى مراقبون أنها وصلت لما يسمى مجرد حبر على ورق!. ويتسبب غياب الآليات المناسبة لمتابعة تطبيق الأنظمة في جعلها ضعيفة وغير معمول بها، مما يعني عدم احترامها وعدم التقيد بها، مما يُسبب حالة من "الفوضى" قد لا نستطيع معالجتها مُستقبلاً، وهنا لابد من وجود آليات صارمة تعمل على جعلها مؤثرة في الحياة العامة، مع زيادة أعداد الأفراد المعنيين بتطبيق النظام، وإحالة من يخالف ذلك إلى القضاء مباشرة مهما صغر هذا الجرم أو كبُر، كما أنه لابد من المساءلة والمحاسبة في سبيل التقصي ومعرفة مدى تطبيق الأنظمة، إضافةً إلى أهمية إعادة هيبة القرارات سواء ب"الحكومة الإلكترونية" أو "التقنية" التي لا تجامل ك"نظام ساهر" مثلاً. هيبة النظام وقال "د.علي السلطان" -أستاذ الإدارة-: إن إصدار النظام وعدم تطبيقه يكون وقعه أسوأ من غياب ذات النظام وعدم إصداره، مضيفاً أن هناك من يتطلع إلى إصدار نظام معين لحل مُشكلة موجودة، ثم يصدر إلاّ أنه لا يتم تطبيقه، بمعنى أنه مجرد حبر على ورق، مبيناً أن الضرر الكبير جراء إصدار الأنظمة وعدم تطبيقها هو هيبة النظام، مشيراً إلى أن كثرة إصدار الأنظمة وعدم تطبيقها يجعل أي قرار أو نظام يصدر لا يتم التقيّد به على محمل الجد من قبل الناس، قياساً على أنظمة صدرت قبله ولم تطبق، وهذا يضر كثيراً بهيبة الأنظمة والتعليمات التي تنظم الحياة العامة، ذاكراً أن ثقافة احترام الأنظمة وإن كانت مرتبطة بالتنشئة والتربية، إلاّ أن عدم الجدية في تطبيقها يجعلها لا تحظى بالاحترام المطلوب، مؤكداً على أن غياب الآليات المناسبة لمتابعة تطبيق الأنظمة يجعلها رخوة، ضعيفة، غير معمول بها، مما يعني عدم احترام الأنظمة وعدم التقيد بها. وأضاف أننا من أكثر بلدان المنطقة في إصدار الأنظمة إلاّ أننا لا نعمل على تطبيقها، مما يجعلها غير فاعلة وغير مؤثرة في حياة الناس، وبالتالي لا تحظى بالاحترام المطلوب، موضحاً أن فعالية الأنظمة تكمن في وجود آليات صارمة مما يجعلها مؤثرة في الحياة العامة، وتؤدي إلى الهدف التي أصدرت من أجله، لافتاً إلى أنه قبل عشرين عاماً كنّا مضرب المثل في مسألة تطبيق الأنظمة بصرامة، لكننا من خلال التراخي، ونظراً لتوسع مناحي الحياة وزيادة عدد السكان والنمو الكبير في مختلف مدن المملكة، أصبحت الأمور تتطلب جهوداً أكثر بشكل يساعد على فرض النظام وتطبيقه. غياب النظام في استقبال المراجعين يحدث الفوضى غياب الآلية وأوضح "م.محمد القويحص" - عضو مجلس الشورى الأسبق - أن القرارات والأنظمة تتولاها في الغالب جهتان، هما الجهة التشريعية والجهة التنفيذية، مضيفاً أن الجهات التشريعية هي التي تبدأ بسن تلك الأنظمة، ثم بعد ذلك هناك جهة مرجعية لكل نظام، كما أن المشرع وضع آليات لضمان تطبيق النظام من خلال حزمة من العقوبات أو الغرامات التي يجب أن تطال كل من لم يتقيد بها، وهذا يعني حماية النظام من خلال سن عقوبات رادعة لمن لا يحترمون ذلك، مشيراً إلى أننا في المملكة نواجه مشكلتين في مسألة تطبيق الأنظمة، أولها آلية التطبيق، فأغلب الجهات الحكومية تفتقر لهذه الآلية، بل وتفتقد إلى القوى البشرية وإلى الإمكانات التي تمكنها من تطبيق الأنظمة، مشدداً على أهمية وضع كل جهة حكومية آلية لتطبيق الأنظمة، ذاكراً أن المشكلة الثانية تكمن في ثقافة احترام النظام لدى المواطنين، وهنا لابد أن يكون لدى المواطن رغبة في التقيد بالأنظمة واحترامها لإيمانه بها وأنها تنظم الحياة العامة، ناصحاً بوجود حالة من الوعي نحو التقيد بالأنظمة وأهميتها في حياة المجتمع. وقال: هناك من لديه عدم رغبة بالتقيد بالأنظمة، وبالتالي إمّا التمرد عليها، أو التحايل، وفي كلا الحالتين هذا سلوك يبطل فاعليتها وعدم تأثيرها في المشهد العام. وأضاف أن غياب سياسة التطبيق لدينا يعود إلى ضعف الإمكانات لدى بعض الجهات الحكومية، مما يعني أنها غير قادرة على فرض تطبيق الأنظمة التي هي معنية بتطبيقها، كذلك قد يكون لدى جهة ما إمكانات بشرية لكنها غير مدربة وغير مهيأة وهذه مشكلة بحد ذاتها، إضافةً إلى أن غياب المساءلة والمحاسبة في سبيل التقصي ومعرفة مدى تطبيق الأنظمة قد يفقدها السيطرة على معرفة هل تلك الأنظمة تطبق فعلاً في الميدان أم لا، مشيراً إلى أن أي بلد تفقد فيه الأنظمة التطبيق، سيغيب عنها النظام، وستفقد القرارات هيبتها، بل وتفقد الجهات الحكومية هيبتها أيضاً، وإذا فقدت الجهات المعنية بضبط الأمور شخصيتها، قد تحدث الفوضى. تناقض شعبي وقال "د.علي بن حسن الزهراني" - أكاديمي واستشاري نفسي- إن الإنسان في مسألة تطبيق الأنظمة والتقيد بها يتجاذبه شعوران متناقضان ما بين حبه لتطبيق النظام والتمرد عليه!، مضيفاً أنه تجد الشخص يكره أولئك الذين يأتون في الطوابير من خلف الآخرين، لكنه في أحيان كثيرة ولأسباب مختلفة يعمل مثلهم، وأيضاً تجد البعض يكره "الواسطة"، لكنه يمارسها بطريقه أو بأخرى، مشيراً إلى أن لدينا أنظمة ولدينا شعب يتناقض غالباً في تطبيقها؛ بمعنى تجده لا يربط الحزام حتى وصوله لمطار الملك خالد الدولي بينما عند وصوله إلى مطار دولة أخرى يطبقه ولا ينساه البتة!. تشغيل الخادمات الهاربات يزيد من حجم المشكلة وأضاف أن من يطبق النظام يتحمس في بداية استلامه لوظيفته لكنه في وقت ما ومع شخص ما يأخذ على رأسه فيبدأ في تطبيق النظام على مزاجه، لذلك أقول لابد من إعادة هيبة الأنظمة إما بالحكومة الإلكترونية والتقنية التي لا تجامل كساهر وخلافه، أو بتكوين قوة خاصة لإعادة هيبة تطبيق النظام، والاهم من هذا كله هو زيادة أعداد الأفراد المعنيين بتطبيق النظام، مع إحالة من يخالف ذلك إلى المحكمة مباشرة مهما صغر هذا الجرم، جازماً بأن تحويل أي شخص للمحكمة مثلما هو عالمياً سوف يحد من مخالفاتنا المتكررة للأنظمة، وسوف يجعلنا من أكثر الأمم رقياً. السلطة التنفيذية وتكمن مشكلة التهاون في تطبيق الأنظمة التي تصدرها الجهات التشريعية في غياب آليات المتابعة لتطبيق تلك الأنظمة، مما يؤدي إلى عدم تطبيقها أو التراخي في ذلك. وتبدو السلطة التنفيذية هي المعنية بالدرجة الأولى في متابعة تطبيق الأنظمة بغية إدارة الحياة العامة للمواطنين، وتنظيمها وضبطها، ومن المفترض أن تخضع أعمال السلطة التنفيذية للرقابة والمتابعة لمعرفة الخلل في أدائها والقصور في تطبيقها للأنظمة والتشريعات المعمول بها في البلاد. وعلى الرغم من أن السلطة التنفيذية في المملكة تخضع لرقابة من عدة جهات، إلاّ أنها تبقى مناط بها مسؤولية تطبيق الأنظمة التي تصدرها الجهات التشريعية، وتخضع السلطة التنفيذية لثلاثة أنواع من الرقابة، هي "رقابة برلمانية" يعمل بها "مجلس الشورى" باعتباره ضلعاً من أضلاع السلطة التنظيمية، "رقابة قضائية" يُفعّلها "ديوان المظالم" باعتباره جهة القضاء الإداري، "رقابة إدارية" وتكون إما داخلية تعمل بها الإدارة نفسها على موظفيها بالتفتيش ومتابعة أعمالهم عن طريق وحدات المراجعة الداخلية في الأجهزة الحكومية، أو بناء على تظلم، أو رقابة خارجية تتولاها هيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة العامة، وقد تكون رقابة من جهات أخرى مساندة للجهات الرقابية الأصلية، وهي مجالس المناطق والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وهيئة حقوق الإنسان. إيقاف السيارة فوق الرصيف مخالفة صريحة للنظام توصيل الطلبات بالدراجات النارية مستمر رغم قرار المنع عدم تساوي الفُرص يتسبب في عدم توظيف بعض الشباب