خلط ومزج هو سبب الكثير من اللبس والدخول في متاهات هم في غنى عنها، أولئك النوع من الناس الذين يصادقون كل من ضحك في وجوههم، أو التقوا به في اجتماع عابر، فالمنطق يقول لكي يتحقق التوازن، ونحافظ على المبدأ، ولا نخسر تعب التدقيق في الانتقاء والحرص على دقة الاختيار لمن نعاشر ونجالس، وينسب لنا وننسب له ونشرف أن يقال فلان صديق فلان، ونوفر الربكة واللعثمة لحظة التنصل من عمق العلاقة حين يذكر اسمه بلغة امتعاض واستنقاص لخلقه، ناهيك عن أصعب موقف مؤلم في يوم مريب، سيقال فيه: "ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً". لابد أن تكون لدينا ثقافة التصنيف، والقصد أن في المعارف وربما الأقارب من قد لا ترضى صفاته أو أساليبه أو سمته أو حتى أخلاقه وتكون مجبراً أن تلتقيه من حين لآخر وتجالسه، ويدور بينكما حوار، وهذا يفترض ألا يتعدى مدة أو حيز المكان موضع وتوقيت الاجتماع، وتنفض بعدها الأواصر، فليس من المروءة التجاهل أو الصد الذي قد يفسر كسوء خلق أو غرور، وثمة منطقة سلم وسطية نقابل ونسلم ونسأل عن الأحوال، ونبتسم وقد تصل للضحك أو القهقهة ولكن تقف جل تلك الأمور نفسياً ومعنوياً عند حد أن ينفض المجلس. لا لشيء إلا لأن المجاملة إذا زادت عن حدها قد توردنا درب المهالك والندم، أو الصدمة أو اللوم، ومن فعلها فلا يلومن إلا نفسه، فعندما تربي نفسك وروحك على مبادئ وقيم ومحاذير أملتها دروس تربيتك وأخلاقك وقناعاتك السليمة، أو قوانين حافظت عليها داخلك ثم تصاحب وتتقرب ممن بمواصفات نافخ الكير الذي إن لم يحرق ثوب سترك، فستجد منه رائحة خبيثة في مسلكه النتن، فذاك الصنف قد يعزم عليك لتجرب دربه فلا تلمه ولا تحقد أو تنتقد أو تحاسب أو تزمجر إلا على نفسك، ولا تحتقر إلا سوء تقديرك وسذاجة فعلك وتصرفاتك حين سمحت له أن يصل حماك. نعم ثمة أصدقاء مجلس لابد أن تخلع ذكرهم عندما تقرر لبس نعليك مغادراً لذلك الملتقى، وبلباقة تتهرب من تبادل أرقام أو تحديد مواعيد، وإن وجدت إصراراً وتمسكاً فخزن الرقم لتتجاهله إلى أن يصل صاحبه لليأس وينصرف لحياته التي لا تليق بك لتكون جزءاً منها، ونزه نفسك أن تشاركه إياها، ولا تأمن العواقب فالنار تحرق رجل واطيها، ولتعلم أن المواعيد المفتوحة أو التعذر بضيق الوقت لذا يترك الأمر للظروف هي من الحكمة لمن يفضل أن يجبر بعقلانية خواطر خلق الله وحسن خلقه لا يقبل أن يمسها قدر أنملة. الصداقة معنى عظيم ولحن عذب، سعيد من وفق بإجادة العزف على أوتاره، وبالمقابل ثمة من يعزف اللحن النشاز وبالتأكيد هناك فرق، ولا أبلغ ولا أمضى لتمثل الفوارق بينهما من قول من لا ينطق عن الهوى وكلامه وحي من السماء "صلى الله عليه وسلم" حيث قال: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ). فرفقاء المجالس ليسوا دائماً أصدقاء أو من الأصدقاء ومن أخطأ التقدير فلا ينسب الخيبة وسوء النتائج لمعنى الصداقة وروحها الطاهرة.