شاءت الأقدار أن تكون الكويت آخر محطة يقف بها قطار حياته، رغم أنه كثير السفر والترحال، أمير شعراء النبط محمد بن لعبون شاعر سبق عصره، ولد عام 1205ه وتوفي عام 1247ه. ولد في بلدة حرمة بنجد ثم رحل مع أهله إلى بلدة ثادق، ثم رحل لوحده إلى الزبير قرب البصرة في العراق. ثم ترك الزبير في إثر حادثة له مع حاكمها إلى البحرين ثم الكويت. نشأ محمد بن لعبون في بيت علم وأدب، فوالده الأديب والمؤرخ الشيخ حمد بن محمد بن لعبون كان مشهوراً بمعرفته بالأنساب والتاريخ، فتعلم من أبيه حب المطالعة والقراءة، الأمر الذي أتاح له أن يطلع على معظم ما كان متوافرا في مكتبة أبيه الخاصة من كتب الشعر والأدب. كما أن من يقرأ شعر محمد بن لعبون بتأن يعرف مدى تأثير كتب التراث والشعر والأدب العربي في فكره حيث نهل من هذا المنبع الصافي بقدر ما استطاع. وبالرغم من أنه لم ينظم شعراً بالفصحى فإن ثقافته الشعرية كانت الأقرب إلى الفصحى بكل ما فيها من ثراء وجمال وعذوبة. وعندما بلغ السابعة عشرة من عمره كان قد اطلع على الكثير من القصائد العربية التي صقلت مواهبه ولبت طموحه مما مكنه من نظم الشعر والتعرف على بحوره ومبادئ الصرف والنحو وقواعد اللغة العربية، مما أثار إعجاب أبيه بذكائه وفهمه ودقة إدراكه لكثير من ألوان الثقافة وهو في سن مبكرة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على نبوغ وموهبة كبيرة وقدرات هائلة، رغم أنه لم يتعلم في مدارس نظامية. منفى اختياري رحل الشاعر محمد بن لعبون من بلدة ثادق إلى إمارة الزبير، وهو ابن 17 عاما، أي عام 1222ه عندما بدأت بعض الأسر تتسلل من نجد وتنزل الزبير وما حولها، وقال عنه شفيق الكمالي في كتابه «الشعر عند البدو»: «كان بطبعه ميالاً إلى اللهو فلم ترق له الحياة فرحل إلى الزبير، وفيها من عمومته من ينافس آل وطبان وهم قوم الشاعر ابن ربيعة على الرئاسة، حيث اشتدت بينهما الخصومة وجرت بينهما نقائض. وقد عاش الشاعر محمد بن لعبون في إمارة الزبير حوالي 22 سنة، إلى أن أصدر الشيخ علي باشا بن يوسف بن يحيى آل الزهير، حاكم الزبير آنذاك أمرا بنفيه، وكان ذلك حوالي عام 1244ه واستقر بعدها الشاعر في الكويت، منفاه الاختياري، حوالي ثلاث سنوات باستثناء زيارتيه القصيرتين إلى كل من الهند والبحرين، حيث انه سافر خلال هذه الفترة إلى الهند لزيارة عمه الشيخ ضاحي العون رجل العرب في الهند، لكن بعد فترة قصيرة غادرها إلى البحرين ولم يرق له المكوث هناك فعاد إلى الكويت ليلاقي حتفه فيها. حب وقسوة كانت زوجة بن لعبون من أهل الحجاز وكان مولعاً بحبها لدرجة لا توصف، لكن العرب في ذلك الوقت كانوا لا يجاهرون بحبهم لزوجاتهم، بل يخفونه، وربما كانت معاملة الزوج لزوجته في تلك الفترة تتسم بقسوة لا توصف، ومن هذا المنطلق كان الشاعر محمد بن لعبون شديد القسوة على زوجته رغم محبته لها. وفي يوم من الأيام مرضت زوجته وكانت من شدة المرض لا تستطيع الوقوف على قدميها، لكنه كان يجبرها على القيام، فتقوم وتقع على الأرض مرة أخرى. بعد ذلك أحس بن لعبون ان زوجته على شفا حفرة وأنها أشبه بما تكون على فراش الموت فقال في نفسه: سأذهب بها إلى أهلها في الحجاز لتبقى معهم ما بقي من حياتها. وهم في طريق السفر متجهين إلى الحجاز وفي منتصف الطريق توفيت قبل أن تصل إلى أهلها في الحجاز، فقام ابن لعبون بدفن جثمان زوجته وعاد إلى عشيرته مرة أخرى. أحمد هادي رثاؤه في زوجته بعد عودته الى عشيرته كان يجلس بينهم ويحاول عكس ما بداخله من هم وحزن بحيث يجالسهم كما كان في السابق، لكن هذا التمثيل الذي اخترعه ابن لعبون لم يكن مجدياً فقرر الذهاب الى منطقة تبعد عن أهله وعشيرته الشيء القليل. عندما علم أهله بما كان منه من ابتعاد عنهم قال واحد من أقاربه: «ابتعد محمد لكي يرثي زوجه»، وما هي إلا أيام قليلة حتى جاء خبر لأقاربه أن محمد رثى زوجته فقام الناقل بسرد جميع أبيات القصيدة الشهيرة التي غناها الفنان المبدع صالح الحريبي: سقى غيث الحيا مزن تهاما على قبر بتلعات الحجازي يعط به البختري والخزاما وترتع فيه طفلات الجوازي وغَنَّت رَاعْبيّات الحماما على ذيك المشاريف النّوازي صلاة الله مني والسلاما على من فيه بالغفران فازي عفيف الجيب ماداس الملاما ولا وقف على طرق المخازي عَذُولي به عنودٍ ما يراما ثِقيلٍ من ثقيلات المرازي ابو زرقٍ على خده علاما تحلاها كما نقش بغازي وخدٍّ تمّ به بدر التماما وجعدٍ فوق منبوز العجازي عليه قلوب عشاقه تراما تكسر مثل تكسير القزازي الا ياويل من جفنه على ما مضى له عن لذيذ النوم جازي ومن قلبه الا هب النعاما يجرونه علي مثل الخزازي تكدر ما صفا ياما وياما صفا لي من تدانيه المجازي ليالي مشربي صفو المداما وثوب الغَيْ مَنْقُوش الطِّرازي مضى بوصالها خمسة اعواما وعشرٍ كنهن حزات حازي بفقدي له ووجدي والغراما تعلمت النياحه والتعازي وصرت بوحشةٍ من ريم راما ومن فرقاه مثل الخاز بازي وكل البيض عقبه لو تساما فلا والله تسوي اليوم غازي سلينا لا حلال ولا حراما عليهن بالطلاق بلا جوازي حياة الشوق فيها والهياما وقدٍّ منه يهتز اهتزازي وخضت ابحور ليعاتٍ تطاما خلاف الانس ضاقت وين ابازي نِكِيف الهم في قلبي تراما وجيش البين بالغزوان غازي اريده وانكسر كسر السلاما بِسَيفٍ جَرّدَهْ ما هوب هازي الا يالله يا من بالملاما يسلّم يوم ترزاه الروازي اسَلَّمْ له ولا رَد السَّلاما عَزيزٍ من عَزِيزاتٍ عزازي وصلاة الله منيِّ والسَّلاما عَلَى قَبْرٍ بْتَلْعَات الحجازي حي المنازل وهذه قصيدة له وهو في طريق السفر من الكويت إلى البحرين يقول فيها: حَي المنازل جنوب السيف مِمتدة الطول مصفوفه امشِي على زينها واقيف في حبها الروح مشفوفه دار الخدم والكرم والضيف دار المناعير معروفه دار العجب والطرب والكيف والانس والفن ودفوفه علمي بها من ليالي الصيف يوم البخت ناشرٍ نوفه أيام حظي يقص السيف يشرب من المي بكفوفه يا دار ربعي عساك الريف ترتع جوازيه وخشوفه لي فيك غصن يهيف يعِيف محبتي فيه مخلوفه مثل عظيم البها ما شيف مهرة وزيرٍ ومعسوفه ما شوف منه لفى تعريف يا وجد عيني على شوفه ليته يجيني ولو بالطيف وتفارق القلب ها اللوفه