كثيراً ما يشاهد المواطن أو المقيم تصرفات بعض الموظفين أو المسؤولين في مختلف القطاعات ويشوبها بعض الشك في عدم نظاميتها؛ كفرض رسوم لتسهيل إنهاء إجراءات بعض المعاملات، أو من خلال تنفيذ سيء للمشروعات العامة التي يرتادها ويستخدمها الناس؛ كالشوارع والحدائق والمباني الحكومية، إلاّ أنهم يسكتون اعتقاداً منهم بأن تبليغهم قد يفتح عليهم أبواب المساءلة أو سيعرضهم لخطر من قبل المسؤول أو الموظف المتهم بالفساد، فيما آخرون يعتقدون أن شكواهم لن تغيّر من الوضع شيئاً لذلك يغضون بصرهم ولا يفكرون بأي دور ايجابي تجاه وطنهم الذي فتح خطاً ساخناً للتبليغ عن أي فساد إداري أو مالي بشتى صوره ومظاهرة، وذلك من خلال الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" التي شددت على تكفلها بالمحافظة على سرية المبلغ وعدم إفشائها أي معلومات من شأنها أن تعرضه لأي ضرر، كما تعمل على نشر الوعي بمفهوم الفساد وبناء وبيان أخطاره وآثاره وتعزيز الرقابة الذاتية وثقافة عدم التسامح مع الفساد، وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام على التعاون والإسهام في هذا الشأن. يكفي السكوت والخوف من مجموعة لصوص سلبت المال العام بحثاً عن الثراء السريع دور المواطن وشدد عدد من المواطنين على أن سلبية الكثيرين بعدم التبليغ عن ما يشاهدونه من أعمال فساد؛ تعد فساداً آخر بحد ذاته، حيث ساهم صمتهم بشكل غير مباشر بتشجيع آخرين على الفساد، ومواصلة سلوكيات سيئة تجاه الوطن والمجتمع. «المدير الحرامي» ينشر الفساد المالي والإداري بين موظفيه وقال "أحمد جاسم" إن كل مواطن يشاهد مشروعاً عاماً ولا يسير بشكل صحيح أو ينفذ بطريقة لا تؤدي إلى النتيجة المطلوبة فإن من واجبه تبليغ الجهات المسؤولة، وإلاّ فإنه يعتبر مشاركاً في الفساد - من وجهة نظره -، مبيناً أن التلاعب في تنفيذ المشروعات الخدمية وافتقاد بعضها للجودة وتطبيق المعايير المُقرّة يشكل خطورة كبيرة على المستخدمين، ويجب على الجميع عدم السكوت والاعتماد على الآخرين في التبليغ، حيث أن تزايد البلاغات من شأنه أن يحدث تأثيراً يسهم في إصلاح ما يمكن إصلاحه، ويزيد من انتباه الجهات الرقابية على تلك المشروعات. إنعام العصفور وأشار "أحمد هلال" إلى أن البعض يكتشف تصرفات مشبوهة لزميل له في العمل، ويطلب أن يتحصل على مقابل لصمته عن ما رأى وإلاّ فإنه سوف يبلّغ عنه الجهات المسؤولة، مبيناً أن ذلك التصرف يعد مشاركة صريحة في الفساد، وكان من الواجب على من يكتشف مثل هذه السلوكيات أن يكشف عنه لدى مرجعيته؛ كي تعاقب خائن الأمانة، حتى يكون رادعاً لغيره تجاه سلوك تلك الطرق المشبوهة في العمل. وذكر "علي آل غالب" أن وسائل التقنية الحديثة سهّلت عملية رصد أي شكل من أشكال الفساد، وذلك من خلال احتوائها على كاميرات عالية الجودة متوفرة في أجهزة الهواتف النقالة؛ مما مكّن من رصد كثير من أشكال الفساد في بعض المشروعات الحيوية ووضعها على صفحة في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مخصصة لكل ما يتم رصده من قصور في تنفيذ مشروعات خدمية، وشجّعت بدورها بقية الشباب لتصوير مشاهداتهم ووضعها في الصفحة نفسها التي يشاهدها عدد من أعضاء المجلس البلدي ومسؤولي البلدية. علي آل غالب ضمان سرية المبلغ يذكر أن "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" أكدت على التزامها بحماية وسرية المصدر بهدف توفير الحماية الشخصية والمعنوية والمادية له وتشجيعاً للآخرين على الإبلاغ عن مظاهر الفساد، مع التزامها بمبدأ الشفافية والعدالة لتحقيق المساءلة لكل شخص مهما كان موقعه للوصول للحقائق وكشفها دون تهيّب، وعدم التفريق في المعاملة وفق المركز الوظيفي أو الاجتماعي لمكافحة الفساد أينما وُجد. وأوضحت "الهيئة" عبر موقعها الالكتروني أن أهدافها تكمن في مكافحة الفساد المالي والإداري بشتى صوره ومظاهرة وأساليبه من خلال التحري عن أوجه الفساد في عقود الأشغال العامة وعقود التشغيل والصيانة وغيرها من العقود المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين في الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة، واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة في شأن أي عقد يتبين أنه ينطوي على فساد أو أنه أبرم أو يجري تنفيذه بالمخالفة لأحكام الأنظمة واللوائح النافذة، وإحالة المخالفات والتجاوزات المتعلقة بالفساد المالي والإداري عند اكتشافها إلى الجهات الرقابية أو جهات التحقيق بحسب الأحوال، مع إبلاغ رئيس الهيئة - التي يتبعها الموظف المخالف - بذلك، وللهيئة الاطلاع على مجريات التحقيق ومتابعة سير الإجراءات في هذا الشأن، كما أن لها أن تطلب من الجهات المعنية اتخاذ التدابير الاحترازية أو التحفظية - وفقا لما يقضي به النظام - في شأن من توافرت أدلة أو قرائن على ارتكابه أفعالاً تدخل في مفهوم الفساد، وفي جميع الأحوال إذا رأت الهيئة أن تلك المخالفات والتجاوزات تمثل بُعداً مؤسسياً لأي من الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة، فعليها رفع الأمر إلى الملك لاتخاذ ما يراه. كيف يحمي المفسد نفسه؟ وأكدت "إنعام العصفور" - ناشطة اجتماعية - على أن أكبر وسيلة لحماية المفسدين هو السكوت عنهم وعدم التبليغ بما يمارسونه من أنشطة مشبوهة، حيث أن المشاهد للفساد ويصمت يكون شريكاً للمفسد في عمله، ذاكرة أن هناك قاعدة يستخدمها الفاسد عندما يريد أن يحمي نفسه، وهي أن يسعى إلى إفساد من هم حوله ليتورط فيه الكل حتى تتكون آلية تضامنية تلقائية بين المفسدين يتستّر فيها الجميع وتتلطخ جميع الأيدي بالفساد، وبذلك لا يصبح أمر الفساد محصوراً في بضعة أشخاص فاسدين إنما يتحول إلى منهج متكامل يوفر أصحابه بيئة مناسبة لتعميمه وتحويله إلى وضع مألوف، ويصبح معها مجرد النقاش حول الفساد ضرباً من العبث، داعية إلى المساعدة على مكافحة الفساد من خلال العمل بمسؤولية مجتمعية لمناهضة الفساد والمفسدين، وذلك من خلال أن يتولى أي فرد يرى الفساد في عمله أو مجتمعه بالتبليغ عن المفسدين وعدم الخضوع لمطالب العاملين في مختلف القطاعات بهدف إنهاء معاملاتنا. وقالت إن الجهات الرقابية تسعى بكل ما أوتيت من قوة نحو السيطرة على الفساد، ولكنها لن تستطيع فعل ذلك دون مساعدة المواطن الذي يعتبر رجل أمن يسهم في محاصرة المفسدين الذين يسلكون طرقاً ملتوية ومخفيّة وبعيدة عن أعين المسؤولين، إلاّ أنها مكشوفة للمواطن القريب منهم الذي يعيش ويستخدم كافة المشروعات التي ينفذها بعض المقاولين ويكتشف مدى القصور والفساد الذي ينتهجه بعضهم؛ ما يؤثر على البنى التحتية وتؤثر بالتالي على كثير من المستخدمين، وهو ما يدعو لمسارعة التبليغ عن مثل هذا التصرفات لكشف الفاسدين والمرتشين العاملين في القطاعات العامة والخاصة. وأضافت أن من الضروري تشجيع ودعم نظام توظيف المستخدمين المدنيين للمساهمة بشكل جذري لمحاربة الفساد وذلك وفق اتفاقيات مكافحة الفساد التي وضعتها الأممالمتحدة وتهدف إلى وضع معايير عالمية عن طريق تنفيذ إستراتيجية دولية متماسكة من خلال مجموعة شاملة من المعايير والتدابير والقواعد والنصوص التي تُجرم أكثر أنواع الفساد شيوعاً، كما توفر إطاراً جديداً للعمل الفعّال والتعاون الدولي في مجال مكافحة الفساد واسترداد الموجودات المتحصله بطريقة غير مشروعة. وأوضحت أن الاتفاقية تضمن (71) مادة في سبع فصول، وحددت المادة (1، ب) ترويج وتدعيم التدابير الرامية إلى منع ومكافحة الفساد بصورة أكفأ وأنجع، وترويج وتيسير ودعم التعاون الدولي في مجال منع ومكافحة الفساد في ذلك مجال استرداد الموجودات، كما وضعت تدابير وقائية وحثت على وضع سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد، والأهم من ذلك هو تعزيز مشاركة المجتمع وتجسيد مبادئ سيادة القانون.