بلدية محافظة الشماسية تحتفل بعيد الفطر    متخصص في الاقتصاد الدولي : تنفيذ الرسوم الجمركية متبادلة قد يؤدي إلى عدم الاستقرار في الأسواق المالية الأمريكية    رسوم ترامب على السيارات ستشمل واردات بقيمة 600 مليار دولار منها أجهزة الكمبيوتر    توسيع العدوان على غزة.. وعائلات محاصرة في رفح    محلل أميركي: الزلزال يجعل ميانمار أكثر فشلاً وعنفاً    بماذا أعددنا ل«يونيو»؟    هل هناك حاجة لزيادة عدد الفرق؟    ماذا عن هؤلاء يا لجنة الاستقطاب؟!    شملت (١٠٦) مكرماََ *بيت الحمد التراثي يكرم رواد الحركة الرياضية في مركز نعام*    مجمع الملك سلمان يُطلق برنامج «شهر اللغة العربية» في إسبانيا    مرات تحتفل بعيد الفطر    «خضيراء بريدة».. أجواء من الفرح والأكلات الشعبية والألعاب التراثية    تشهي التخطئة    ضبط إثيوبي في جازان لتهريبه (155,400) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    المملكة توزّع 467 سلة غذائية في مدينة بيروت بلبنان    والد الإعلامي زبن بن عمير في ذمة. الله    تيسير المفرِّج ل"الرياض": هيئة العقار ترصد ما يُطرح في وسائل الاعلام ومنصات التواصل    جناح مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في بولونيا يحظى بإشادة الزوار الإيطاليين والمبتعثين    الرياض تحتضن منتدى الاستثمار الرياضي 2025 الاثنين المقبل    الصحة العالمية: كل فرد مصاب بالتوحد هو حالة فريدة بذاته    السفير الرقابي يقيم حفل استقبال ويشارك رئيس الجمهورية بصلاة عيد الفطر المبارك    فاطمة الفهرية التي أسست أقدم جامعة في العالم؟    وزارة الصحة الأمريكية تبدأ عمليات تسريح موظفيها وسط مخاوف بشأن الصحة العامة    رياح مثيرة للأتربة على 5 مناطق    استمرار احتفالات العيد بالمدينة بحزمة من الفعاليات والأنشطة الثقافية    خالد عبدالرحمن يشعل أولى حفلات العيد بالقصيم    عقد قران المهندس أحمد حسن نجمي على ابنة محمد حمدي    المملكة ترحب بتوقيع طاجيكستان وقرغيزستان وأوزباكستان معاهدة الحدود المشتركة    الخواجية يحتفلون بزواج المهندس طه خواجي    نواف بن فيصل يُعزّي أسرة الدهمش في وفاة الحكم الدولي إبراهيم الدهمش    رجال أعمال صبيا يسطرون قصص نجاح ملهمة في خدمة المجتمع وتنمية الاقتصاد المحلي    مدرب الشباب ينتقد التحكيم عقب الخسارة أمام الاتحاد    العيد يعزز الصحة النفسية    الاتحاد يقلب الطاولة على الشباب ويتأهل لنهائي أغلى الكؤوس    8 دول في أوبك+ تجتمع الخميس وتوقعات ببدء خطة رفع الإنتاج    تجربة سعودية لدراسة صحة العيون في الفضاء    محافظ الطوال يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك في جامع الوزارة ويستقبل المهنئين    باحثون روس يطورون طريقة لتشخيص التليف الكيسي من هواء الزفير    جوارديولا يُعلن مدة غياب هالاند    وادي الدواسر تحتفي بالعيد السعيد وسط حضور جماهيري غفير    إصابة الكتف تنهي موسم «إبراهيم سيهيتش»    جمعية " كبار " الخيرية تعايد مرضى أنفاس الراحة    التجارة: 5 شوال دخول نظامي السجل التجاري والأسماء التجارية الجديدين حيز التنفيذ    أكسيوس: ترمب سيزور السعودية مايو المقبل    أكثر من 122 مليون قاصدٍ للحرمين الشريفين في شهر رمضان    أقصى الضغوط... ما قبل «التطبيع الشامل»    "أمانة الطائف" تنهي استعداداتها لعيد الفطر المبارك    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بعيد الفطر    جمع مهيب في صلاة عيد الفطر في مسجد قباء بالمدينة المنورة    إدارة المساجد والدعوة والإرشاد بمحافظة بيشة تُنهي استعداداتها .    مختص ل «الرياض»: 7% يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي خلال الأعياد    محافظ الجبيل يستقبل المهنئين بالعيد ويزور المرضى المنومين    ترامب: لا أمزح بشأن سعيي لفترة رئاسية ثالثة    إنجاز إيماني فريد    عيد الدرب.. مبادرات للفرح وورود وزيارات للمرضىع    بين الجبال الشامخة.. أبطال الحد الجنوبي يعايدون المملكة    توقعات بهطول أمطار غزيرة على 7 مناطق    الرئيس عون: لبنان دخل مرحلة جديدة بعد عقود من العنف والحروب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلوى الاحتساب التكفيرية
نشر في الرياض يوم 21 - 03 - 2013

قد يستبدل التكفير العسلَ بالحلوى ليدسَ سمّه فيه، أعني بالحلوى تلك التي سربتها إلى معرض الكتاب ووزعتها فيه حفنة من النساء بدعوى الاحتساب والإنكار على معرض الكتاب كما ذكرت جريدة الشرق الأوسط في خبرها يوم الخميس الماضي، غلفت تلك الحلوى بأوراق صغيرة الحجم، كتب عليها عبارات إنكار واحتساب، بالإضافة إلى روابط هاشتاقات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، تضمنت عناوين ك«كلنا - محتسب»، و«الاحتساب في معرض الكتاب» وغيرهما من الهاشتاقات، وتضمنت إحدى الأوراق الملصقة على الحلوى عبارة تكفيرية صرفة تقول: «ما هو موقفك كمسلمة من اتفاقية سيداو الإلحادية التغريبية ؟..ابحثي اتفاقية سيداو..»؛ حيث كانت تلك العبارة الأكثر انتشاراً بين بقية المطويات، لاحتوائها على هاشتاق يتضمن ذات العبارة الواردة في المطوية الملصقة بالحلوى.
صناع الفصل بين النساء والرجال، يركزون على تحدي الطبيعة، وتجيّر جهودهم لحسابات سياسية أو دينية متشددة قمعية أو ميزوجينية معادية للمرأة، من هنا اخترعوا مصطلح «اختلاط»، واستمر الترهيب به حتى بات المرء يعتقد أن الطبيعة تجره للمهالك، إذ كيف تكون الحياة حياة بلا تواصل ومشاركة المرأة للرجل المعروف في عرف المتشددين بمصطلح»اختلاط»؟!
ورغم توقيع المملكة على هذه الاتفاقية"سيداو" إلا أن الاتهام التكفيري طال الكل، ولم يستثنِ أحداً، فمن وافق هذه الاتفاقية فصاحبه ملحد، كما هو معنى العبارة السابقة، تكفير صريح، والسؤال التحريضي هنا جوابه منه وفيه، فكلمة ما رأيك "كمسلمة" تمهيد للحدث التكفيري، ووصف الوثيقة بالإلحاد والتغريب هو الحكم الجاهز الذي يعتبر قول ما سواه كفراً، وصاحبه كافر غير مسلم، فلو أجبتُ أتفق مع اتفاقية سيداو الإلحادية التغريبية فهذا كافٍ لتكفيري وخروجي عن وصف "مسلمة" بما أن الوثيقة حُكم عليها بالإلحاد، فهذا إن سمي احتساباً، فيوصف باحتساب تكفيري، وهو ما يجب التنبه لخطره، إذ دائرة التكفير بدأت تتجاوز الأفراد إلى الأنظمة بكل تعدٍ وقح مجاهر بالبغي والعدوان، محتكر التفكير بين ثنائية الفسطاطين؛ فأهلها؛ إما كافر أو مسلم.
وهذا تطور خطير في مستوى الغلو الذي وصل للتكفير الصريح للكل.
بالمناسبة؛ اتفاقية سيداو (CEDAW) وثيقة ارتقائية حقوقية إنسانية تساند فئة طالها الظلم والعنف والتهميش "المرأة" في كثير من البلدان، تأتي الاتفاقية دعماً لحقوقها على سبيل المساواة، وفسرت بأنها إزالة كافة أنواع التمييز ضد المرأة، لكن المرأة حارسة النسق الذكوري تأبى إلا التمييز ضد حقوقها، بل وتدافع بماسوشية حمقاء عن كل تمييز يسرق حقها في الزواج والطلاق والحضانة والإرث والحرية، ويدفع عنها العنف والظلم وصنوف التعدي..
والوثيقة وقعت عليها المملكة عام 2000 مع التحفظ على مادتين فقط من موادها، وفي دراسة حديثة للإسكوا هناك دول إسلامية كالمغرب وتونس وقعت على الاتفاقية وسحبت كافة تحفظاتها، فهل هذه الدول كافرة أيضاً في نظر أولئك التكفيريات والتكفيريين؟!!
للأسف - لازال أمام الجمعيات الحقوقية تقف عقبات كبرى لتنفيذ هذه الاتفاقية، مع أنها فقهياً لاتتعارض مع مبادئ الشريعة ومكوناتها الرئيسية، فهي لا تمس الجانب الاعتقادي بل جانب التعاملات التنظيمي الذي قد تتغير صورته وإن بقي أساسه في حياة المرأة بما يشملها بمزيد حصانة، كونها ممن تعرضت للعنف وحقوقها للانتهاك، لذلك فالسيداو جاءت ضمن تسلسل حقوقي للمعاهدات الدولية التي تُعنى بنصرة الفئات المهمشة في المجتمع لأجل نيل حقوقها قانونياً تمكيناً للرؤية الحقوقية الإنسانية، ونحن نعلم أن دور القوانين لايتمثل في حماية الأشخاص الذين لا يعانون من مشكلات، بل على عكس ذلك، حماية الذين واللواتي هم في وضعية هشاشة معينة بسبب الجنس أو السن.
من ذلك كان التأكيد بوثيقة للمرأة، وأخرى للطفل. كونهما أكثر الفئات منتهكة الحقوق..
يجتمع وهج الاحتساب الذكوري أصلاً + اعتباراً(= الرجل +المرأة) على "المرأة" فعلى صعيد ذات الموقف المسمى احتساباً وما هو من الاحتساب في شيء خالف يوسف الأحمد أنظمة وقرارات معرض الرياض الدولي للكتاب كعادته في كل عام، وقام بجولة احتسابية في أروقة المعرض، مع مجموعة شابة في العشرينيات من أعمارهم.
ويوسف الأحمد غني عن التعريف، فهو رأس حربة المحتسبين وقائد قوات كتيبة الاحتساب على معرض الكتاب، وصاحب التنظيم الاحتسابي السري ذي الفروع العديدة بالمملكة - باعترافه هو- وصاحب أبدع صرعة فتوى عصرية بهدم بيت الله منعاً للإفك المبين" الاختلاط" توجه بفوضى احتسابه مع كتيبة المحتسبين " الأتباع" لشرعنة اعتدائه على الأنظمة في صورة حق مسلوب ودين منتهك، فتوجه لزائرات محجبات ومنقبات وطالبهن بتغطية وجوههن كاملة، ولبس عباءات واسعة، ووضعها على الرأس بدلاً من الكتف، ثم واصل الأتباع جولاتهم فداهموا فندق مداريم الذي يستقبل ضيوف المعرض مطالبين بالفصل بين النساء والرجال في بهو الفندق، واشتبكوا مع بعض الزوار، والتقطوا صوراً لبعض المثقفين والمثقفات الجالسين في البهو بدون إذنهم، ما استدعى القائمين على الوزارة للتدخل رسمياً، ورفع الأمر إلى الجهات الأمنية.
كشف وجه المرأة المستمد من نظرة العار لهويتها "وجهها" الذي يكرره ويصر عليه المتشددون رغم الأدلة الجلية التي تؤكد أن وجهها هو هويتها المعتبرة كما وجه الرجل هويته، لكنهم يأبون إلا المخالفة التي خالفوا بها حتى فقهاءهم في أشهر قواعدهم الفقهية التي تقول "لا إنكار في مسائل الخلاف"، فإلى متى سيظل وجه المرأة محبوساً في السواد المعتم وهؤلاء المتجرئون على وجهها " أخص خصوصيتها "يعتدون على حريتها في كشفه بلا رادع ولا محاسب ولا معاقب؟!!
ومهما اختلفنا حول الرؤية المجالية للاحتساب، إلا أن الآية نظمت أساس الاحتساب بطريقة التبعيض في قوله تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون للخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"، وألزم متطلبات التبعيض- بالضرورة - المأسسة، التي تجعل شعار "كلنا محتسب" شعارا باطلا أريد به باطل..
لازال المتطرفون يصورون أنفسهم حماة للدين أكثر من رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذي كان يتواصل مع النساء ويكلمهن ويزورهن، ويحيرون العقول في أمرٍ حلال بل من لوازم الطبيعة والحياة، وهو الاتصال في أماكن عامة ليصوروه تهمة وجريمة، يثيرون حوله الكثير من اللغط والفوضى بغية الاستئثار بالحياة للذكر، وحبس المرأة بين الجدران.
لم يكن التواصل بين الرجل والمرأة مستنكراً، فالمرأة تقابل الرجل في كل مكان؛ ففي دور العبادة لم يفصل بينهما جدار عازل كما نرى اليوم، كانت المرأة تقابل الرجل وتحادثه وتبيعه وتشتري منه في سوق يجمعهما معاً، أضاف عمر رضي الله عنه لمراقبة السوق امرأة تنظم شؤون الناس وتحفظ أموالهم من الاستغلال والسرقة والرشاوى والأطماع والغش، فمأسس الأمر العظيم بمجال صريح يخدم الإنسان ولا يصادر حرية إيمانه أو مسؤولية ضميره وأخلاقه التي هي حق فرداني صرف لا يجوز لأحد أن يهتك أو ينتهك أسواره.
وطالما التقت المرأة والرجل في مكان عام يتشاركان ويتواصلان على أساس المصالح المتبادلة وبشكل لا يتجاوز الذوق العام فمُحَرِّمه محرم للطبيعة والحياة، ومتطرف متشدد لا يحق له إلزام الناس بتطرفه، وإن طاب للمتشككين في أخلاقهم الفصل فليس لهم حق إلزامه على سواهم.. فما كان الاختلاط مصيبة إلا عند نفوس تغذت على الوهم، فأوقعت العقول في فخ الفتن، وقيدت حركتها عن الانطلاق الإنساني والتنموي.
حجج حجب وعزل المرأة تتكرر ذاتها لتحبسها في غياهب الفتن ومنازل الشهوات، تتلبس بعقيدة التأثيم حيناً، وببلادة التشييء مرة أخرى، وهو منطق تلك الصارخة "الغضبى" كما وصفتها الزميلة المتألقة أميمة الخميس، التي نادت بوعيها الذكوري الصارخ لتنفيذ رغبة ذكورية ملحة بعودة المرأة إلى البيت وإلزام الحكومة بصرف راتب شهري لها حددته هي ب"عشرة آلاف ريال".. والنتيجة تعطيل نصف المجتمع!!!
جحافل التطرف ترتبط مصالحهم بتخلف المجتمع وعزلة الفكر الواحد، وآلام رموز الصحوة صناع فكرة الاحتساب الإكراهي تتركز لمنع تحرير العقول تجاه النظرة للمرأة وأنسنة العلاقة بها، يحاربون وجودها في الحياة العامة، وينادون دائماً بعودتها للبيت لتبقى أسيرة إحسانهم، لذلك فمن غير المستغرب أن نرى "ناصر العمر" يتباكى على معارضة العلماء تعليم المرأة قبل خمسين عاماً ويصفها بالنظرة البعيدة والعميقة جداً للفساد اليوم، فساد يراه هو وصحبه من حيث لايراه سواهم، وهميٌّ حد الخرافة..
صناع الفصل بين النساء والرجال، يركزون على تحدي الطبيعة، وتجيّر جهودهم لحسابات سياسية أو دينية متشددة قمعية أو ميزوجينية معادية للمرأة، من هنا اخترعوا مصطلح "اختلاط"، واستمر الترهيب به حتى بات المرء يعتقد أن الطبيعة تجره للمهالك، إذ كيف تكون الحياة حياة بلا تواصل ومشاركة المرأة للرجل المعروف في عرف المتشددين بمصطلح"اختلاط"؟!
إن التمييز ضد النساء لايقتصر أثره على النساء بل يمتد ليشمل الرجال والأطفال والأسر والمجتمع بأسره، والحل في تبني القرارات السياسية الرصينة لإحداث النقلات التوعوية النوعية، من الوعي إلى الوعي المضاد، من ثقافة التراكم النقلية ذات القداسة الذكورية إلى ثقافة النهضة العصرية العقلية، ومن رفض التشدد والانغلاق إلى قفزة الانعتاق والانطلاق، فإنه لا يهدم تراكم تغييب الإنسان إلا تبني مزيد من مبادرات الأنسنة المباركة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.