تمتد ندبة على شكل قوس واسع على جسم البنغالي مهدي حسن من خصره إلى نقطة تقع مباشرة تحت قفصه الصدري. ويقول مهدي البالغ من العمر 23 عاما إن الندبة الحمراء مازالت تؤلمه، وكأنها تذكره بالعملية الجراحية التي خضع لها في دكا منذ أشهر مضت بأمل الحصول على مال بأسرع طريقة. ففي مقابل 60 بالمئة من كبده، وعده سمسار أعضاء بشرية يعمل بطريقة غير قانونية بالحصول على 300 ألف تاكا ( حوالي 15 ألف ريال) وهو مبلغ يعادل ثروة في قريته الصغيرة"بامونغرام" ذات البيوت المشيدة من اللبن في شمال شرقي بنغلاديش. الفقير يبيع أعضاءه ولا يقبض المقابل المادي ويعاني صحياً ونفسياً غير أن السمسار اختفى عقب العملية الجراحية التي استغرقت 10 ساعات،ليجد مهدي انه عالق في دكا تحاصره فواتير المستشفي المتراكمة والآلام المبرحة في صدره وبطنه.ويقول مهدي في حسرة،" انه لم يدفع لي ولا بنسا واحدا." ويعد بيع الأعضاء الداخلية تجارة مربحة في بنغلاديش. ففي كل عام يضع المئات من البنغاليين أعضاءهم للبيع كقطع غيار في السوق السوداء كمهرب من أنياب الفقر، ليقعوا إما ضحايا لخداع السماسرة أو ليثقلوا كواهلهم بمتاعب صحية لا قبل لهم بها، وفقا للشرطة والسكان المحليين. واستقطبت هذه التجارة السرية الأضواء في شهر أغسطس من العام الماضي عندما نجحت الشرطة في تفكيك شبكة سمسرة تمارس تجارة الأعضاء في منطقة جويبورهارت بشمال شرقي البلاد. وكان أعضاء الشبكة يقومون بزعامة سمسار باصطياد القرويين الفقراء الرازحين تحت تلال من الديون المتراكمة ويوعدونهم بانتشالهم من وهدة الفقر. وفي ضوء سمعة بنغلاديش الطيبة باعتبارها مهد "بنك غريمان" الذي أسسه محمد يونس الحائز على جائزة نوبل، فان ما يحدث في هذه الدولة يعد منعطفا مثيرا للسخرية، ويعكس الجانب المظلم لقصة نجاح مشروع "بنك التمويل الأصغر" الطوعي في البلاد. أختر باعت كليتها لتسديد ديونها ويقول مهدي وهو عامل يومية انه كان يأمل في استخدام عائد بيع كبده كرأسمال لتأسيس عمل تجاري صغير. وعلى الرغم من انه تلقى مبلغ 000و145 تاكا (حوالي 7200 ريال) من أسرة الرجل الذي زرعت له كبده، على سبيل التعويض، إلا أن المال نفد، بينما أقعدته آلامه المبرحة عن العودة لممارسة عمله. ويقول مهدي، "صار حرث التربة أمرا شاقا لما أعانيه من ألم قد يلازمني مدى الحياة ". وتشير تقديرات الشرطة إلى أن 43 شخصا قاموا ببيع كلاهم في جويبورهارت، بينما كان 10 آخرون في كشف الانتظار عندما اعتقلت الشرطة قادة العصابة في أغسطس الماضي. ويقول علم جير شاودهيري، وهو مراسل تلفزيون محلي كان قد تمكن من تغطية القصة إن معظم الناس يذهبون إلى غرف العمليات بدافع اليأس والحرمان. ولكي يسددوا أقساط ديونهم القديمة فإنهم يأخذون قروضا جديدة من أشخاص محليين ومن ثم يقعون في مصيدة القروض." ومن هؤلاء سيلينا اختر، من قرية بيريندي، التي خضعت لمبضع الجراح لتتمكن من تسديد 000و400 تاكا (حوالي 20 ألف ريال) استلفتها من بنك التمويل الأصغر. وتحكي سيلينا قصتها قائلة،" كنت امتلك مزرعة خضراوات ولكنها منيت بخسائر واضطررت إلى الاستدانة من بنك التمويل الأصغر لتسديد القرض الأول." وكانت سيلينا(25 عاما) قد تلقت مبلغ 000و220 تاكا (حوالي 11 ألف ريال) مقابل بيع كليتها. وسار زوجها ووالد زوجها وشقيق زوجها على الدرب نفسه لتسديد ديون الأسرة." ويقول فضل كريم، مفتش الشرطة الذي قاد التحقيقات ذات الصلة بشبكة التجارة غير المشروعة في الأعضاء في جويبورهات، إن الشبكة يتزعمها رجل يدعى عبدالستار. وكان قد سبق لعبد الستار أن باع كليته أثناء عمله في شركة لصنع الملابس في دكا في عام 2005 ليكتشف أن بإمكانه أن يحقق أرباحا طائلة من هذه التجارة البشعة، ومن ثم عاد إلى جويبورهارت حيث بدأ البحث عن مشترين مرتقبين. وتقول الشرطة إن عبدالستار وعملاءه كونوا شبكة ربطت بين مرض الكلى في دكا وبين القرويين الراغبين في البيع ومن ثم حصلوا على عمولات ضخمة من هذه العمليات. ويقول كريم،" يتجول السماسرة حول مراكز غسيل الكلي حيث يصطادون المرضى. وبعد تحديد البائع وإحضاره إلى دكا لإجراء الفحوصات الطبية الضرورية، يقوم الإداريون بالمستشفى بتحضير الوثائق القانونية التي تتضمن تزويرا لعلاقة عائلية بين البائع والمتلقي.( القانون البنغالي لا يسمح إلا لأفراد العائلة بالتبرع بأعضائهم). مهدي حسن وقع ضحية لخدعة السمسار وفي زيارة لمكتبه، ابرز كريم وثائق تضفي صفة قانونية مزعومة على تبرع مهدي حسن بجزء من كبده وتزعم إحداها انه ابن أخ المتلقي، وأخرى تدعى انه ابن أخت الرجل. وتتراوح التكلفة الشاملة للعملية والتي يحصل عليها عبد الستار وشركاؤه بين 000و400 - 000و500 ألف تاكا ( حوالي 20 ألفا و25 ألف ريال)، إلا أن جزءا ضئيلا جدا من هذا المبلغ يذهب للبائع. وتمكنت الشرطة حتى الآن من اعتقال 9 أشخاص لهم صلة بشبكة جويبورهارت، منهم ثلاثة في دكا، وتقول إنها على ثقة من أن سوق الأعضاء قد تم إغلاقه نهائيا. غير أن البعض يقولون أن جويبورهارت ليست سوى قمة جبل الجليد. وفي هذا الصدد يشير الدكتور منير منير الزمان أستاذ علم الانثروبولوجيا بجامعة ولاية ميتشيغان، الذي أجرى دراسة حول تجارة الأعضاء في بنغلاديش إلى أن مابين 250 إلى 300 شخص يبيعون أعضاءهم في البلاد كل عام، ويضيف:" جويبورهارت تمثل جزءا يسيرا من التجارة الكلية في بنغلاديش ذلك أن أجزاء البلاد الأخرى لم تخضع لدراسات رغم أنها تشهد الجزء الأعظم من تجارة الأعضاء البشرية. فإذا أضفت الجزأين معا فان الصورة تكون بغيضة للغاية." وتسبب فضح شبكة جويبورهارت في ارتفاع الأصوات المنادية بتحرير قانون تبرع الأعضاء في بنغلاديش. ويقول منتقدو القانون إن عدم توفر العدد الكافي من المتبرعين بطريقة قانونية تسبب في ظهور سوق سوداء مزدهرة. وفي هذا الصدد يقول د.طارق صلاح الدين المحرر الطبي بصحيفة "ديلي ستار" ،" ينبغي تحرير القانون بما يجعل الناس يحجمون عن تحقيق أرباح من التبرع بالأعضاء. فإذا تم ذلك فان لن يكون هناك خاسر." غير أن البعض يرى أن تقنين تجارة الأعضاء سيحول أعضاء أجسام الفقراء إلى سلع تحت تصرف الأثرياء، ويعبر منير الزمان عن هذا الاتجاه بقوله،" انه نظام غير عادل ولا منصف إذ فيه يستطيع الأغنياء شراء أعضاء الفقراء ويتشجع الفقراء على بيع أعضائهم. إنها تجارة آخذة في التوسع كل عام وينبغي فرض قيود صارمة عليها." وهناك دراسات قليلة تناولت مضار التبرع بالأعضاء بالنسبة للفقراء الريفيين، غير أن منير الزمان يعتقد أن المقابلات التي أجراها مع ممَن باعوا أعضاءهم في بنغلاديش كشفت إن العديد منهم عانوا من آلام ما بعد العملية الجراحية والحمى ومتاعب ذات صلة بفقدان الوزن.غير أن الضرر الأكبر يتمثل في الضرر النفسي الذي قد يلازم البائع طوال حياته.