في ليلة من ليالي الصيف المقمرة، وفي سطح أحد بيوت الطين، يكون للفرح موعد، حيث تتعالى "الزغاريد" وتسمع عبارات التهنئة، ويهتز السطح من رقصات الفتيات، التي تتناغم مع الأهازيج والغناء على ايقاع الدفوف، معلنةً بدء حفلة زواج لأحد شبّان القرية من إحدى بنات أسرها، بينما الرجال يستمتعون بجلسة سمر (سامري وعرضة) في "البراحة" القريبة من البيت. البساطة هي ما يميز حفلات الزواج قديماً، ف "زواج السطوح" مازال ذكرى عالقة في أذهان البسطاء ممن عاصروا تلك الفترة في بداية القرن الهجري المنصرم، وهي تحمل ذكريات جميلة لا يمكن أن يمحو أثرها الزمن، كان "سطح البيت" في تلك الليالي المقمرة خير مكان لإقامة مراسيم الفرح للنساء؛ نظراً لضيق البيوت الطينية وانعدام الغرف والأحواش الكبيرة، التي يتطلبها حضور عشرات النساء اللاتي يتشوقن لمثل هذه المناسبات، التي يجدن فيها المتعة ولقاء الأحبة والتعبير عن الفرح بزفاف قريبتهن أو ابنة احدى صديقاتهن، فتشهد تلك السطوح في تلك الليالي السعيدة تعالي الزغاريد والرقص، وتتعالى الضحكات الممزوجة بالسعادة، تلك هي أفراح الأمس تسودها المحبة والإخاء وصفاء السرائر. «الزكرت» يتسابقون على توصيل «تباسي» النساء رغبةً في استمالة قلوب العذارى..وآخرون «يطلون» من البيت المجاور! ومن الأهازيج والأغاني التي ترددها "الطقاقة" التي تأخذ على ذلك أجراً، وتضرب ألحاناً على "قدر" أو "تنكة" لانعدام "الدفوف" وشحها قولها: يا ليتني وياه "دب" الدهر في وسط مصباح محمد بناه البارحة يوم ارتفع القمر واصيح بعالي الصوت يا عزتاه بداية الاستعداد أهل الحارة يتعاونون من الصباح.. هذا يقدم «دلال القهوة» وذاك يفزع ب«الأباريق» و«القدور» والآخر ب«المداخن» و«البيالات» ما إن يستقر رأي الشاب على عروسة المستقبل التي وصفتها له والدته وصفاً دقيقاً من مفرق الرأس حتى أخمص القدم، إلاّ ويذهب مع والده إلى والدها لطلب يدها وهو يحلم بزوجة المستقبل وحياة زوجية سعيدة تحفها المحبة والوئام، وعند الموافقة فإن البعض يسمح للعريس أن يسترق نظرة شرعية عابرة ليعلن بعدها استمرار الخطبة من عدمها، وعند الرضا من العريس وعروسه يتم تحديد موعد "الملكة"، التي يتخللها الاتفاق على الصداق -المهر- وشروط العريسين، وإن كانت فيما مضى معدومة، فقد كان يعدها البعض عيباً لصفاء النوايا وطيب القلوب، وكذلك الاتفاق على تبعات الزواج الأخرى، تلك مقدمات ليلة الزفاف قديماً، ليبدأ السعي الحثيث من أجل الاستعداد لليلة العمر -ليلة الدخلة-. كسوة والدة الفتاة قطعة «قماش» و«عباءة» ووالدها «ثوب» و«شماغ».. والعروس أقمشة وعطور وحلي زخارف الحنا بعد تحديد موعد "الملكة" يأتي العريس بالمهر ويتم عقد القران ويحدد المهر ومؤخر الصداق إن وجد، وان كان يكاد يكون رمزياً، فلا مغالاة ولا مساومة بل يكفي القليل من الريالات، فقد تزوج أحدهم بمبلغ (100) ريال عروساً جميلة، فأحبها وأحبته، فولدت له بنتاً جميلة لما بلغت سن الزواج تسابق الخطاب عليها فظفر أحدهم بها فدفع لها مهراً غالياً بمقياس ذلك الزمن وهو (2000) ريال فقال والدها بسعادة غامرة بيت هذا الشعر: أم الميه جابت أم الفين راعي الميه لا يحاكينا «السرج» و«الأتاريك» تُحمل على الأكتاف في مرافقة العريس إلى منزل والد العروس بعد ذلك يبدأ العريس في جلب كسوة والدة عروسه، وهي عبارة عن ثوب أو قطعة قماش وعباءة، أمّا والد الفتاة فيكون من نصيبه ثوب وشماغ، أما العروس فينتقي لها الأقمشة وأدوات الزينة والعطور والحُلي، ويحضر العريس هذه الأغراض الى أهل عروسه قبل الزفاف بوقت كاف، ليأتي بعد ذلك دور إعداد وتجهيز الفتاة قبل زفافها بأيام بزخارف "الحنا" وتتزيينها ب "المشاط" مع تسريح شعرها. يا ليتها عيّت وأنا بعد عييت وليت المملك يوم جيناه عيّا تكافل اجتماعي ويبدأ الزوج في توفير ما يحتاج لمثل اقامة ليلة الزواج من إعداد الطعام للضيوف، حيث يشتري الذبائح وكذلك الرز من نوع "أبو فورة"، ولم تكن هناك مطابخ لطهي الطعام بل يتعاون الناس في طبخ مأدبة العشاء، وعادةً ما تتولى تلك المهمة "الربعية" وزوجها، كذلك لم يكن هناك قهوجي يعد القهوة والشاي ويوفر معاميلها، بل يستعيرها الزوج من جيرانه وأقربائه، فهذا يعطيه "دلال القهوة"، وهذا يفزع ب"الأباريق"، والآخر ب"المداخن"، وغيره ب "الفناجين" و"البيالات" والصحون -التباسي-، وكذلك بالفرش -البسط-، حيث يضع كل صاحب آنية أو فرش علامة مميزة أو وسماً -شارة- على أوانيه، حتى يتعرف عليها عند انتهاء مراسم الزواج، وغالباً ما كان يكتب اسم صاحبها خلفها ليتم التعرف على حاجاته بعد انتهاء الزواج، كي يسهل على أهل المعرس الاستدلال على أصحابها لإعادتها، وقد كانت هذه العادة في المساهمة بأواني الطبخ و"المعاميل" والفرش تمثل في حينها صورة من صور التكافل الاجتماعي التي كان يعيشها الآباء والأجداد سابقاً. عروس تستعد لليلة العمر مراسم الزواج كان وقت الوليمة فيما مضى للزواج بعد صلاة العصر، حيث يتوجه المعازيم من الرجال إلى بيت والد العروس لتناول الطعام، ومن ثم يذهب العريس بعد صلاة العشاء مع عدد من أقاربه وأعز أصدقائه الى بيت والد العروس يحملون معهم "السرج"، فيستقبلهم بالبشاشة والترحاب، ويتناول الجميع القهوة، ومن ثم يصطحب والد العروس العريس إلى مكان دخوله على عروسه في المنزل، فيما ينصرف الضيوف إلى منازلهم بعد الدعاء للعروسين بالبركة والتوفيق، ثم أصبحت المأدبة تقدم بعد صلاة العشاء بدلاً من وقتها السابق بعد صلاة العصر. كان الزواج قديماً يمتد إلى يومين بلياليهما، ففي الليلة الأولى يجتمع الرجال في منزل العريس بعد صلاة العشاء ويسمون "الجنب"، فيتناولون القهوة والشاي في "معاميل" قد أمده بها مسبقاً أقاربه وجيرانه من "الأباريق" و"الدلال" و"الفناجين" و"البيالات"، وبعد أن يكتمل الحضور يسير العريس وضيوفه إلى دار العروس ويحمل بعض الضيوف معهم "السرج" و"الأتاريك" التي تضيئ الطريق لهم، حيث لم يكن هناك كهرباء بل كان الاعتماد عليها، فهي مصدر النور الوحيد الذي يشعل لهم ليلهم وكذا ليالي أفراحهم. صورة التكافل والتعاون تتضح في طبخ الذبائح استقبال بالمداخن بعد وصول العريس وضيوفه إلى دار العروس يستقبله والد العروس واخوتها وأقاربهم وجيرانهم ب"المداخن" التي تفوح منها رائحة العود الطيبة، فيرحبون بهم ويقدمون لهم القهوة والتمر حسب ما يتيسر، كما يقدم الشاي، بعد ذلك يأخذ والد العروس العريس إلى غرفة العروس، فيما تقدم مأدبة العشاء للضيوف والحضور من الرجال، ويبقى العريس في منزل والدها بينما تؤدي النساء الرقص والغناء. يدخل العريس على عروسه التي يجد معها "الربعية"، التي تكون ملازمة للعروس منذ الصباح، فتعمل على تزيينها وتمشيط شعرها وتهيئتها لهذه المناسبة، وتعطيها بعض الوصايا عن الزواج وحقوق الزوج وطريقة المعاشرة، وعند دخول الزوج تُرحب به وتدعو له ولعروسه بالبركة والتوفيق، ثم يدخل القهوجي الذي يكون غالباً زوج "الربعية"، فيصب القهوة للعريس ثم يغادر معها بعد أن يعطيها قدر من المال كأجرة لها ومكافأة على صنيعها، لينام العريس مع عروسه في منزل والد العروس. حتى الصغيرات تظهر عليهن الفرحة رمي البطباط بعد أن يصحو العريس من نومه في بيت والد العروس، تأتي والدتها للسلام عليه، فيعطي عروسه هدية بهذه المناسبة تسمى "صباحه" أو "فتاشه"، وغالباً ما تكون من الذهب كحلي أو من النقود، حيث تكشف وجهها له ومن ثم ينصرف إلى منزله للاستعداد لإحياء الليلة الثانية من ليالي الفرح، التي تسمى "التحوال"، التي يقدم فيها طعام "الضيفة" التي يشهدها منزل العريس، التي تعد من ليالي العمر بالنسبة للزوجين، فهي ليلة فرح لا تتكرر، فتجد البهجة تعم الجميع صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً، حيث تجتمع النساء من أقارب الزوج وجيرانه ومعارفه في المنزل استعداداً لقدوم العروس، التي تأتي مساءً برفقة "الربعية"، التي تحمل أثاث العروس وفراشها. وتجتمع النساء في منزل العريس بانتظار قدومها مع أهلها، فإذا قدمت أخذت مكانها بين النساء، فيقمن بالسلام عليها وتهنئتها بهذه المناسبة، فيما يصعد العريس إلى سطح المنزل والمطل على مكان جلوس النساء، فيرحب بالعروس ويقول كلمة دارجة في مثل هذا الموقف: "ترى الدار ضيفتك يا فلانه"، ثم يرمي ما معه من "البطباط"، الذي يكون عادةً من التمر من نوع "الصقعي" أو "الخضري" أو"بلح اليبيس"، أو "الأقط" أو الحلوى، أو بعض قطع النقود، حسب حالة العريس المادية، فتتدافع النساء والأطفال لجمع أكبر قدر ممكن من هذا "البطباط"، ثم يستمر الاحتفال بالرقص والغناء للنساء، ثم يتناول الجميع طعام العشاء. غرفة العروس قديماً قلّة الطلاق وعلى الرغم من بساطة "ليلة الزفاف" التي فرضها شظف العيش إلاّ أن العشرة بين الزوجين تدوم ولا يفرق بينهما إلاّ الموت، وقد كانت حالات الطلاق تكاد تكون نادرة الحدوث، كما حصل لأحدهم حين تزوج فلم يجد في عروسه مكان يأمله فقال متحسراً: يا ليتها عيّت وأنا بعد عييت وليت المملك يوم جيناه عيّا أو كحال الآخر الذي تزوج عروساً جميلة فأصابته العين -الحسد فيها، فصار لا يطيق النظر إليها فقال: أدخل على الله كنه الموت جاني ترجس احجوله مدخلينه عليه ومطيبينه بالزباد العماني وما كنه إلاّ جيفة في حويه حركات "الزكرت" كثيرة هي المواقف والطرائف التي شهدتها زواجات السطوح ومنها؛ يتسابق "الزكرت" -الشباب الذين لم يتزوجوا بعد- وهم من "الكشخات" يحاولون استمالة قلوب الفتيات للحصول على زوجة المستقبل الجميلة، وذلك لحمل صحون "تباسي" وليمة العشاء من الأرز واللحم للدخول بها على النساء للأكل، فيدخلون بعد أن يذاع خبر وقت دخول العشاء بين النساء، فتسارع كل امرأة إلى الاحتشام خوفاً من نظر الشبان إليهن، فيدخل هؤلاء "الزكرت" إلى مجلس النساء وعيونهم تتصفح الوجوه، لعلهم يحظون بنظرة إعجاب من إحدى الفتيات اللاتي في سن الزواج. علبة عباءة كانت تقدم إلى والدة العروس وشقيقاتها ويعمد بعض الشباب من "الزكرت" إلى الدخول نحو منزل مجاور للمنزل الذي يقام فيه الزواج في السطح، ثم استراق النظر الى النساء وهن يرقصن ويغنين في الزواج. وحدث ذات مرة أن دخل مجموعة من الشباب مع أحد أصدقائهم إلى بيت مجاور لأهل العروس، ولكثرتهم اتكائهم على الجدار الفاصل بينهما اهتز الطين وكاد أن يقع على النساء الجالسات خلفه، فتراجعوا بسرعة وخرجوا حامدين الله على سلامتهم وسلامة النساء. وفي محاولة لبعض الشباب الصغار لرؤية الفتيات وهن كاشفات في الزواج، فقد عمد اثنان من الأصدقاء إلى لبس ملابس أخواتهما وعباءتهما، ودخلا إلى الزواج وكأنهما نساء، وأصبحا يشاهدان النساء وهن يمرحن ويرقصن، وقد انتبهت إحداهن -من كبيرات السن- إليهما فخاطبتهما من أنتن فلم يجيبا على سؤالها، وشاهدت ساق أحدهما مملوءة بالشعر فصاحت هنا رجال ففرا مسرعين نازلين من درج السطح قبل أن يمسك بهما أحد ونجوا من الفضيحة والضرب. وغالباً ما يقف للحراسة على باب دخول النساء أحد الشبان الصغار من أهل العروس ليمنع دخول الشباب ويحمل عصا للترهيب، فهو يتحكم في دخول الأطفال، لكنه قد يسمح لبعض أصدقائه بالدخول ومشاهدة النساء ولو من خلف الباب! عروس وضعت الحناء على يديها «الأتاريك» تضيء طريق العريس إلى منزل العروس غرفة المعاريس ويبدو افطار الصباح تجمع أهل الحارة من الصباح استعداداً ليوم الفرح