الحكايات عن النسيان قد تكون ظريفة في بعض الأحيان، مؤلمة بأحايين كثيرة. لكن لا تخلو من نعمة ربانية حين يحفر الوجع أخاديد يعالجها النسيان. سمعت عن سيدة بدأت حالة النسيان حتى وصلت الزهايم. المشكلة أنها تغني لسعود، وتنادي سعود، وتتكلم مع زوجها عبدالله على انه سعود. صديقتي لطيفة جدا وحبيبة جدا. أصابها الزهايمر. وتكرر الحكاية أكثر من مرة في الخمس دقائق، نردد لها نفس الإجابات. لعل أصعب شيء عندما تهرب من المرآة خوفا من السيدة التي تنظر إليها.. إيزابيلا اللندي في احدى رواياتها عن حياتها (نعم نسيت اسم الرواية) تقول عن مربية صغارها التي أصابها الزهايمر إنها تتحدث وتسأل وتكرر نفس العبارات مرات عديدة وتملك ابنتها الصبر كله كي ترد عليها نفس الإجابات في كل مرة.. النسيان قد يكون آفة ومؤشرا لتدهور الذاكرة. وهذا ما نخشاه كثيرا. ولكن الذاكرة كالمكنة لابد لنا من تشغيلها وتنشيط حركتها. وليت الأطباء يعدون لنا شيئا كما الدليل يساعدنا على تنشيطها والاحتفاظ بها تعمل بصورة لائقة، كما يحدث مع كتيب مرشد الآلات. سبحان الله تبقى الذاكرة القديمة صامدة بالتفاصيل خاصة الطفولة والمراهقة بينما الذاكرة الجديدة ككتاب كتب على رمل. قديما قيل (العلم في الصغر كالنقش على حجر، والعلم في الكبر كالنقش على مدر) المدر هو المكان الذي تدور فيه المياه. لقد سرقت بقية المثل من جوجل. أحاول بين آن وآخر انشط ذاكرتي استحضر الصور الجديدة فالقديمة ثابتة. وأحاول ان أتذكر الحوادث القريبة ، إذا تم ذلك بسهولة فرحت وكررت لنفسي الصور حتى أتذكر. رحت أتمعن أكثر بالصور المتشابهة التي يسألون من خلالها عن الفرق. أو مشاهدة صور متعددة الأشياء وأحاول النظر لها لدقيقة ثم أغطيها وأحاول تذكر ما فيها . انا والأسماء في ورطة كبيرة فأحيانا أنادي سعاد نورة ، ذات مرة ناديت موضي باسم حصة ولم ترد بشيء، التفت فاستقبلتني حصة التي بينها وبين موضي ما صنع الحداد. المشكلة مع أبنائي أنادي بأسماء الثلاثة وأنا اقصد واحدا منهم، لذا يقول أوسطهم: أمي متأكد ان احد الثلاثة صح. عندما تتداخل الوجوه وتذهب الأسماء تلك مشكلة وحدث معي في أمسية واحدة ان طلبت من اربع سيدات (فضلا ذكرنني بالاسم). آخر دعوة كنت بها أتتني سيدة وسلّمت علي سلاما حارا جدا وسألتني إن كنت تذكرتها، تأسفت كثيرا، عندها أخبرتني باسمها تذكرتها كانت معي حتى الرابع الابتدائي ثم افترقنا. حقيقة فرحت كثيرا لأنني لازلت أشبهني بالابتدائية بعد هذا العمر، طبعا لم انس ذكر الله على ذاكرتها. ربما نظرا لسرعة الأحداث وتكاثرها خاصة في الثلاثين عاما الماضية سجل جيلنا صدمات كبيرة بحيث أصبحت الأحداث اسرع من الأوقات وربما لقوة الاتصالات يحدث أحيانا تشويش على الذاكرة يتساوى به الكبير والصغير. وأيضا هروبا من أشياء لا نريدها يسهل الله لنا أمر النسيان حتى تشكل ثقوباً بالذاكرة تتيح تسربها بعيدا عن الضجيج في العقل. بالمناسبة أكثر شيء أضيعه تلفوني الجوال وهذا أمره سهل حيث أناديه فيلبي النداء. لكن هناك شيئان أنسى اين وضعتهما واستنفر البيت لذلك. وهما نظارتي، والمفاتيح. نظارتي علي الآن.. لكن ما شفتوا مفاتيحي؟