يسمى هذا العصر بعصر التقنيات التي سهلت حياة الإنسان، وربطت كل أرجاء الأرض ببعضها فلم يعد هناك بعيد ومجهول، كل هذا يحصل بضغطة زر، ورغم ما قدمته مفاتيح هذه الأجهزة والتقنيات؛ إلا أنها تسببت في صناعة ذاكرة ضعيفة يحملها الإنسان، منذ بدأت تنتشر التقنيات وتدخل في كل كبيرة وصغيرة في حياة الإنسان ومنذ أن أصبح الزر هو الحل لكل معلومة يحتاجها الإنسان في دقائق ظهرت النتائج العكسية على الدماغ والذاكرة. وتحض كتب التنمية البشرية على حفظ الأرقام الطويلة مثل أرقام الهواتف فهي كفيلة بتنشيط الذاكرة وتقويتها، وهذا العمل التلقائي الذي كان يمارسه من لم يعايش التقنيات؛ أظهر جدواه وفضله عندما تقدمت الأعمار، وعندما ظهر جيل التقنيات، جيل يشتكي معظمه من ضعف الذاكرة. ذاكرة الشباب بداية قال "محمد المطرفي" -في العقد السادس-: "أنا مستاء جداً من ذاكرة الشباب في هذا الوقت، فعندما كنا في أعمارهم كنا نحفظ عشرات الأرقام، والحسابات لدينا يسيرة وسهلة ولا نستعين بالآلات الحاسبة إلا عندما نتعامل مع الأرقام الطويلة التي تحتاج للقسمة والضرب، بينما اليوم نجد الشاب في العشرين لا يحفظ حتى رقم هاتفه ولو ضاع هاتفه الجوال فقد معارفه وأصحابه حتى يجمع أرقامهم مرة أخرى، ولو سألته عن مسألة حسابية بسيطة ما استطاع التعامل معها إلا بواسطة الآلة". حفظ الأرقام وأوضحت السيدة "منيرة الفهاد" -في منتصف العقد الستين- بأنها كانت متمكنة في حفظ الأرقام فترة شبابها وكانت تحفظ معظم أرقام هواتف أقربائها وتتمتع الفهاد بذاكرة جيدة كما يصفها من يعرفها، قائلةً: "إنّ سبب قوة ذاكرتي وأنا في هذا العمر نشاطها فترة شبابي، وأظن أن كثيرا من كبار السن المتمتعين بذاكرة قوية بسبب نشاط ذاكرتهم فترة شبابهم، وقد سمعت أكثر من مرة عبر بعض وسائل الإعلام من مختصين أنّ من عوامل تقوية الذاكرة حفظ أرقام الهواتف، ومع جمال وأهمية التقنية والدور الذي لعبته في حياتنا لكنها أضعفت الذاكرة لدى الشباب كل أرقامه وخططه اليومية مكتوبة، فهو عندما يحتاج أن يهاتف أحد حتى والديه ما عليه سوى استحضار الاسم". الشباب والمشيب ويعاني الشاب "عمر الزايد" -طالب جامعي- من الذاكرة الضعيفة رغم مهارته في معظم التقنيات الحديثة، بل وحرصه على تتبع الجديد من التقنيات والتعامل معها بتمكن، قائلاً: "تأكدت من أهمية الذاكرة عندما كنت في البر لوحدي وغرزت سيارتي وكان معي جوالين أحدهما مخزن فيه كل الأرقام والثاني جديد ولكنه يعمل، ووقع هاتفي الذي يحوي كل شيء تحت الكفر ودهسته دون أن أشعر أثناء محاولتي إخراج السيارة من التراب، حيث كنت أنوي الاتصال بأحد إخوتي ليأتي لمساعدتي، فأخذت الهاتف الثاني وكنت أعتقد أني أحفظ رقم أخي الأكبر، ولكني اكتشفت أني لا أحفظ سوى الستة الأرقام فقد فشلت كل المحاولات للاتصال". والدتي أسرع من الحاسبة وأضاف: وعرفت حينها لماذا والدتي دائماً تتصل من الهاتف الثابت ونادراً ما تستخدم الهاتف الجوال، ووالدتي دائماً تثير إعجابنا ودهشتنا بقدرتها على إجراء عمليات حسابية دون آلة حاسبة فعندما نحتاج لإجراء عمليات حسابية نستخدم الآلة الحاسبة إلا أن والدتي تعطينا الناتج أسرع من الآلة أحياناً، كما تتمتع والدتي بذاكرة ممتازة فهي تذكر جيداً الأحداث التي مر عليها أكثر من ثلاثين سنة وبدقة، وتتذكر ولادات أفراد عائلتنا وأعمارهم وغالباً ما تكون كلمتها الفيصل في كثير من الخلافات التي تكون بسبب تداخل المعلومات التي تعتمد على الذاكرة، وأظن أنّ قوة ذاكرة والدتي بسبب كونها في شبابها تعتمد كثيراً على ذهنها في حفظ الأرقام، وقد لاحظت من كان في عمر والدتي ولكنهم لم يكونوا مثلها في التعامل مع الأرقام والعمليات الحسابية ولديهم ذاكرة ضعيفة وأحياناً ضعيفة جداً. ذاكرتنا ضعيفة وأكدت "مطره العنزي" بأنّ جدها الذي يتخطى الثمانين عاماً يتمتع بذاكرة جيدة قياساً بعمره، والسبب أنه كان يحفظ الكثير من الأرقام ويقرأ كثيراً في الشعر ويحفظه كاملاً، وليس بيتا أو اثنين كما يفعل البعض، قائلةً: "التقنية والأجهزة خفيفة الحمل التي نحملها بكل أشكالها وخدماتها أضعفت ذاكرتنا ونحن مازلنا شبابا، بينما آباؤنا وأجدادنا الذين اعتمدوا على أذهانهم في شبابهم نراهم يتمتعون بذاكرة جيدة في أعمار متقدمة، الذاكرة دائماً تتمرن وتقوى عن طريق حفظ الأرقام والشعر والحكم والقصص، بينما نحن ذاكرتنا ضعيفة بسبب أن ما نريده مما سلف نستحضره بضغطة زر". تنشيط المخ وتعتب "مزنه المصري" في أواخر العقد السادس على الجيل الجديد وشكواه المتكررة من الذاكرة الضعيفة والنسيان، قائلةً: "عندما كنا شبابا لم نكن نسمع عن الذاكرة الضعيفة ،فالتقنيات والأجهزة دمرت أذهان أبنائنا فتجد ابن السابعة عشرة يشكو من النسيان وضعف الذاكرة نحن وصلنا الخمسينات وتخطيناها وذاكرتنا جيدة بسبب اعتمادنا عليها، وعندما كنا نفرش منزلنا كنت أسجل مقاسات الغرف في ذهني بينما أبنائي يدونون في الورقة ويخطئون في بعض الأوضاع وينسون هل كان الرقم المدون يخص الطول أو العرض، وأنا اشعر أن أبناءنا لديهم مشكلة كبيرة في ذاكرتهم بسبب ركودها واعتمادها على الأجهزة، حيث إن تدريب وتنشيط المخ في الصغر يقويها ويحصنها من الضعف عندما تكبر". جيل الشباب يواصل تدريبه على التقنية