المألوف في دول العالم الثالث بصفة عامة أن رجال قيادتها يبحثون عن منطلق خاص يقدمون في تنفيذه برهان حرصهم على خدمة مواطنيهم.. وطنهم.. عبر أداء تطوري لكن حول هدف واحد.. أما في الدول المتقدمة حضارياً - التي بكّرت في تنوّع قدراتها وجزالة خدماتها في وقت مبكر يتجاوز المئة عام - فإنها تتجه إلى استكمال ما تجد فيه إضافة جديد علمي وحضاري.. وعالمنا العربي بدأت منطلقات تحسين أوضاعه قبلنا بما لا يقل عن سبعين عاماً تقريباً، وذلك إما بسبب ما أوحته لديه علاقاته الاستعمارية خصوصاً الموضوعية الأفضل لدى بريطانيا.. وعلى سبيل المثال محاربتها لعمليات تهريب مَنْ كانت تفرض عليهم العبودية أو التبكير بقدرات التعليم.. أمر معروف بأننا عشنا قروناً طويلة في أحر نزاعات قبلية وتخلّف مفاهيم الوعي العام.. نعرف أن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - كان أول رجل يوجد استقلالية أولى لمجتمعه بين أوضاع استعمارية سائدة، وأنه استطاع أن يجتاز كل مغريات التهديد لمجتمعه.. نحن الآن نعايش مرحلة تاريخية ليست بالسهلة.. فالرجل التاريخي - الملك عبدالله بن عبدالعزيز - لم يتوقف عند منطلق تطوير واحد، كما هو حال معظم الدول العربية، ولم يقبل أن تكون في مجتمعه قسوة تعامل مع أي حالة اختلاف بالرأي، وعلى من يريد أن يبحث عن برهان تأكيد أن يقارن موضوعية التعامل في بلده بين المجتمع والدولة.. نحن لم تمر بنا حالات اختطاف غامض تنهي حياة آخرين، ولم تمر بنا أخبار قسوة تعامل مع أي رأي، بل إن بعض مشاريع التطوير.. وبالذات ما هو متعلق منها بالتعليم الحديث الحضور حالياً، وكذا تنوّع التطوير الذي لم تألفه الحياة الاجتماعية، ولعل أفضل برهان في ذلك أن الإصلاح والتحسين نفّذا بالإقناع والشواهد لا بالفرض.. ويأتي الدليل في هذين الاتجاهين ما وُفّر للمرأة من حضور رأي وحضور مسؤولية عمل.. ونفس الشيء يُقال عن تعدّد فرص المكاسب متى توفّرت الكفاءات.. إن خير شاهد على جزالة التنوع التي التزم بها الملك عبدالله ما قرأناه يوم الخميس الماضي عن مشروعه في التوسعة الكبرى للمسجد النبوي، حيث نجد أن الشعوب العربية الأخرى إنما تتجه فقط إلى بعض - وليس كل - ما هو ضرورة، وغالبية الناس في تلك الشعوب يبحثون عما يخصهم ويرونه أكثر أهمية مما ليس ضرورة لهم.. وهذه مشاعر منطقية، لكن في بلد وفّر له الملك عبدالله تعدّد المنطلقات والتي لا يُفرض فيها المواطن دون قدرات، وإنما تتوفّر وسائل التأهيل كي يتوفّر حضور القدرات.. لدينا توسعة المسجد النبوي، ومثلها ما حظيت به مكةالمكرمة من نقل توسّعي وحضاري بدأ منذ وقت مبكر، ووصل به الملك عبدالله إلى مستويات مثالية.. حتى إن عدد المصلين وبعد عامين لن يقل في المدينة عن مليون وست مئة ألف.. لا أشير إلى هذا الإنجاز على أنه مشروع فريد بمفرده، ولكن لأنه في مسار قدرات التطوير الشامل.. يجب أن نفهم جزالة تجديد هذه الأوضاع وتنوّعها كي نرى الفوارق الكبيرة مع كل غيرنا العربي.. وأن نفهم أيضاً ضرورة كفاءة التأهيل ليس من قبل الدولة فقط ولكن من خلال وجود قابلية التأهيل عند المواطن نفسه..