في السادس عشر من شهر ربيع الأول لهذا العام 1434ه وافق مجلس الوزراء على "تنظيم الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ويحل هذا التنظيم الجديد محل النظام السابق الصادر في عام 1400ه، والذي ظلَّ معمولاً به نحو (34) عاماً. إصدار هذا التنظيم دعتْ الحاجة إليه لمواكبة التطور والتحديث المؤسسي والهيكلي الجاري في المملكة، و حاجة الرئاسة العامة كذلك إلى إعادة تحديد مهامها واختصاصاتها، وفق نظام الإجراءات الجزائية، ونقل بعض مواد النظام السابق لصالح أنظمة وجهات أخرى، ومن ثمَّ إعداد وصياغة لائحة تنفيذية، وفق مهام واختصاصات واضحة، ومحددة، تغطي كل الإجراءات الإدارية والميدانية اللازمة لمباشرة هذه الاختصاصات، وآلية التنسيق مع الجهات ذات العلاقة. ومن الآثار الإيجابية لهذا الحراك التنظيمي والمؤسسي: تحسين وتطوير مستوى أداء الهيئة، وتفعيل رسالتها وأدوارها المجتمعية، والحدُّ من التجاوزات المحتملة، أو الاجتهادات الخاطئة، التي قد تمس بحقوق الإنسان، وكرامته، وخصوصيته، المكفولة له شرعاً ودستوراً. مواكبة مشاريع التطوير والتحديث لأنظمة وتنظيمات العديد من الهيئات والمؤسسات الحكومية. وفي القراءة الأولية لمحتوى التنظيم الجديد للهيئة، ومقارنة ذلك بمحتوى النظام السابق، نلمح العديد من التعديلات والإضافات المهمة، تتمحور في النقاط الرئيسة الآتية: يتكون التنظيم الجديد من ( 15 ) مادة. ويحل محل نظام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الصادر بتاريخ 26/10/ 1400ه، والمكون من (21) مادة، كما يلغي كل ما يتعارض معه من أحكام. بموجب هذا التنظيم تمَّ نقل مهام التحقيق، وإجراء العقوبات التأديبية (الجلد والحبس ) والإحالة إلى المحاكم الشرعية، من قائمة اختصاصات الهيئة، لصالح هيئات التحقيق والإدعاء العام، والمحاكم الشرعية. وكانت هذه المواد منصوصاً عليها في النظام السابق، وتحديداً المواد: (4-6-14-15-16) إضافة إلى الإشارة إليها في موادٍ أخرى. علماً بأنَّ العمل بهذه المواد قد توقف عملياً فور إنشاء هيئات التحقيق والإدعاء العام، وبدء مهامها عام 1409ه. جاء في المادة السادسة منه" على الهيئة – وفقاً لأحكام هذا التنظيم - القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحمل الناس على ذلك، بالرفق واللين والأخذ بالتي هي أحسن، مقتدية في ذلك بسيرة الرسول – صلى الله عليه وسلم – وخلفائه الراشدين من بعده، مع استهداف المقاصد الشرعية، على أن تتضمن اللائحة التنفيذية لهذا التنظيم بياناً بالواجبات وطرق الأمر بها، وبياناً بالمحرمات والممنوعات وطرق إنكارها " ولا شكَّ أنَّ محتوى هذه المادة يلامس تحديداً وضبطاً رسالة الهيئة في (الأمر بالمعروف ب "معروف" والنَّهي عن المنكر "بلا منكر" وهي إستراتيجية يتبناها معالي الرئيس العام، ويشرف على رعايتها، وتطبيقاتها. مثل ما يعالج هذا المحتوى مسائل تداخل الصلاحيات، وتشابك الاختصاصات، بما يزيد من فعالية الأداء، وكفاءته وسلامته، ومن درجات التنسيق بين الجهات ذات العلاقة. وجاء في المادة الثالثة عشرة منه "تصدر اللائحة التنفيذية لهذا التنظيم، وتُعدل، بأمرٍ من رئيس مجلس الوزراء". وهذا من شأنه أن يُكسبها قوة إضافية، بما يخص مسائل الشفافية والوضوح في كل موادها وبنودها. الجدير بالذكر أنَّه قبل عام ونيف، وغداة تسنم معالي الشيخ الدكتور: عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أشرتُ في أحد المقالات إلى أهمية رسم خارطة طريق واضحة تتيح للهيئة ورجال الميدان إنجاز مهامهم وفق قواعد محددة، وأنظمة وتعليمات واضحة، وأنَّ إصدار نظام ولائحة جديدة للهيئة، من أولويات محتوى هذه الخارطة. وفي تقديري أن التنظيم الجديد ولائحته المرتقبة إنجازٌ كبير يُحسب لمعاليه، ويضاف إلى سلسلة من النجاحات الأخرى ذات الصِّلة بتحسين وتطوير بيئة العمل الإداري والميداني، وتفعيل العمل المؤسسي، وتطبيق أدوات وأساليب الإدارة الحديثة، ومعايير الجودة، وتبسيط الإجراءات، ونشر ثقافة الشفافية والمساءلة، وترشيد استخدام الموارد المالية المتاحة "الضبط الإداري والمالي" والعمل على توجيهها نحو منافذ الاحتياجات الفعلية للرئاسة. كلمة أخيرة: قد يكون من المناسب والمفيد جداً أن يكون التنظيم الجديد ولائحته التنفيذية الجاري إعدادها، بمتناول الجميع مؤسساتٍ وأفراداً، للاطلاع على مواده ، ومواد اللائحة، وما فيها من مهام واختصاصات، وإجراءات. وفي ثقافة الاطلاع منافع عديدة، تتيح لجميع شرائح المجتمع معرفة الضوابط الشرعية، وأنظمة الدولة، وواجباتهم، ومسؤولياتهم، بما يُسهم بالتأكيد في تفهم المجتمع ووعيه بوظائف الهيئة ومهامها. وفي ذلك كله تحقيقٌ لمصالح عمومية مشتركة وتعزيزٌ للشراكة المجتمعية البنَّاءة. من مأثور الحِكم: لا يَكْفِي أَنْ تَعْمَلَ خَيْراً، بَلْ يَجِبُ أَنْ تُحْسِنَ عَمَلَ الخَيْرِ.