أنا لست ممن يحب إثقال كاهل النص بالصور الشعرية النصوص في المجموعة القصصية " أنثى في قلب العاصفة " للقاصة شادن المحاميد والصادرة عن دار الكفاح تبدو وأنها كتبت لتسجل حالة سردية برؤية واضحة، فالقاصة حافظت على رتم قصصها سواء من ناحية التكنيك أو المضمون مما يجعلها تتشكل كحالة عاطفية مدونة من زوايا متعددة. ومما نلاحظه أن القاصة تكتب بوعي عن المعاني التي تطرقها والعوالم والحالة النفسية لأبطال قصصها. وهذا ما يجعل الوضوح هو سمة تلك النصوص. وفي هذا الحوار نتعرف على رؤية القاصة شادن المحاميد عن تفاصيل مجموعتها القصصية الأولى أنثى في قلب العاصفة :- من عنوان مجموعتك القصصية أنثى في قلب العاصفة نلاحظ أن العنوان يمنح القارئ تصورا عن مضامين نصوص المجموعة أو أنه في المقابل يؤطر النصوص في ذلك المعنى ؟ نعم ، إن عنوان المجموعة أنثى في قلب العاصفة يعطي إيحاء" وتصورا مسبقا" للقارئ عن المعنى العام الذي تحيكه وتدور حوله أحداث القصص في الكتاب، ففي مجموعتي هذه كانت جميع القصص تحمل نفس الملامح الوجدانية المرتكزة على البوح الذاتي للشخصية المحورية والتي هي أنثى تتنقل بين العوالم المختلفة وتتقمص أدوار البطولة في جميع القصص فتكون المرأة والرجل والطفل والوطن والحقيقة والهم الإنساني بالمعنى العام المطلق في كل مكان و زمان ، وتعيش في عاصفة من الأحداث المتداخلة بكل تناقضاتها وجدليتها وتداعياتها على البعد العاطفي والنفسي للشخصية والتي تولد تصدعات انفعالية واحتراقات داخلية في النفس البشرية ، فتتأرجح الشخصية بين حقيقة الواقع وعبثية الأحلام وتعيش في حالة صراع وبحث دائم عن الذات الإنسانية المثالية التي تنشد عالما إنسانيا ايجابيا" يحاكي عالم الأفلاطونيات والمدينة الفاضلة في تصوراته وخيالاته. - برغم تعدد النصوص في مضامينها وفي عوالمها إلا أنني لاحظت أن شخصية الأنثى في كل تلك النصوص هي ذات الأنثى ؟ ليست شخصية الأنثى واحدة وربما تقصد أن الرؤية واحدة ومن زاوية مشتركة ، وبطبيعة الحال عندما يكتب الكاتب فهو يعبر عن وجهة نظره التي تبقى ثابتة عادة ويفلسف رؤيته للأمور بطريقته الخاصة وتبقى كلها بالنهاية رؤى وقراءات ووجهات نظر قد يتفق وقد يختلف معها القارئ، والهدف منها هو محاكاة عقل القارئ ومخيلته وليس تلقينه وإقناعه بما نكتب، وإذا تم التعمق في قراء القصص فستلمس الاختلاف في الشخصية ففي قصة "عقدة ذنب" شخصية الأنثى تمثل الإنسان الذي يسعى إلى المثالية والتفاني من أجل الآخر حتى يصل إلى درجة المازوشية وتأنيب الذات من أجل تطهير ذنوب السلبية والعجز ، وفي قصة "فضاءات ضيقة "تمثل الشخصية الإنسان الحالم الذي تضيق به الفضاءات من حوله وتحاصر أحلامه وطموحاته في حدود الواقع والمتاح ، وفي قصة قبل الاحتضار هي الإنسان المغيب الذي يحتضر وجوده صمتا في هوامش ضيقة من تعبيره عن ذاته ، وقصة "حرية وشيء آخر" هي المرأة التي لا تزال واقفة في المنطقة الرمادية وعلى الحد الفاصل بين الفهم الحقيقي العميق لمفهوم الحرية والحق في امتلاكها وممارستها، وفي قصة "عندما يموت الحب واقفا " تمثل حال الفتاة التي يستهان بعواطفها وآفاقها ويتم تشييئها تحت ضغط ظروف معينة وهي حالة اجتماعية تتكرر في مجتمعاتنا ويومياتنا ،وفي قصة "في قلب العاصفة " هي الإنسان الذي يعيش صراعا بين الفضيلة والخطيئة وتقلبات النفس البشرية وأهوائها. - لاحظت أن السرد في القصص يأخذ نفساً روائياً حيث المشهدية والتداعيات والاسترسال – كيف تنظرين لهذه الحالة ؟ لا أعرف أن هناك قصة قصيرة بدون سرد وتداعيات ولكن السرد قد يطول أو يقصر وأوافقك الرأي أنه كان طويلا في قصة فضاءات ضيقة وكان هناك استرسال وكنت أشعر حينها أن ذلك كان ضرورة درامية ترتكز على فتح آفاق أوسع للتواصل والخطاب والتعبير الإبداعي، لا أدعي الخبرة في ذلك فهي تجربتي الأدبية الأولى ولكني لا أعتقد أن ذلك قد أخرج النص عن جنسه الأدبي وهو القصة القصيرة ، فقد كانت هناك شخصية رئيسية واحدة في النص وتسير على خطى فكرة واحدة على طول النص وتلوح منذ البداية إلى معنى واحد وتصب بالنهاية في هدف واحد. - عناوين القصص اخذ حالة واحدة وهي الحالة المأساوية أو نقول إنها عناوين سوداوية – لماذا كان انحيازك لهذه الاختيارات من العناوين؟ لا أجد أن العناوين مأساوية على الأقل من وجهة نظري ولكن كونها تحمل قضايا مؤرقة وصراعاً ما قد تحتمل إيحاء كهذا أو لأنها تتطرق لهموم وأوجاع إنسانية فيكون عادة للحزن والتأمل النصيب الأكبر ولا يكون هناك متسع كاف للفرح حيث لا يجتمع الحزن والفرح على مائدة واحدة، وربما لأنه في داخل كل منا مأساة افتراضية عادة ما تثور وتتحرك عندما نواجه قضايا وأفكارا نعجز عن اختراع حلول ومصائر لها، فهذا ما جعل العناوين تميل للحزن أكثر ، ولكن بالنهاية تبقى المأساة شيئاً والكتابة عنها شيئا آخر ولكن ليس مأساويا وليس سوداوية، ومع ذلك فعنوان حرية وشيء آخر ، فضاءات ضيقة ، من قلب العاصفة ،صراعات أنثى داخل حلم، أليس في بلاد العجائب والخ.. لا أدري أين المأساة بالموضوع ؟ ومن باب طرح المثال أتساءل هل كان فيكتور هيجو سوداويا ومتشائما عندما كتب روايته العظيمة " البؤساء" ! - اللغة في القصص لغة استطيع أن اسميها اللغة الوظيفية – لم تكن لغة ذات طابع جمالي بل هي اقرب للغة المباشرة – هل في تصورك هذه اللغة تعطي القارئ وضوحاً مع النصوص ؟ أحترم رأيك بالتأكيد ولكني أعتقد أن هناك شيئا من الإجحاف بحق جمالية النصوص، فاللغة بطبيعة الحال يجب أن تكون وظيفية وتخدم المعنى ولكني أعتقد أني حافظت على وظيفتها الجمالية أيضا فقد استخدمت اللغة التعبيرية التأثيرية والتي تعتمد الدلالات الإيحائية المجازية التعبيرية حيث تحقق التواصل المعرفي الجمالي بين الكاتب والقارئ وأترك الحكم بالنهاية للقارئ، وأنا لست ممن يحب إثقال كاهل النص بالصور الشعرية المبهرة والتي قد تطغى على وضوح الفكرة الأساسية وتشتتها، ولست ممن يدجج النصوص بالألفاظ الرنانة ويلونها بالموسيقا التي قد تثير أحيانا صداعا عند القارئ وتستخف بانتقائية ذوقه ورفعته، وأنا لا أقول شعرا بل أكتب نصا أدبيا وقصة ، وأشعر أني في حالة تصالح مع اللغة فلا أحب استنزاف المعجم اللغوي بل أنهل منه ما أحتاج لأروي المعنى المراد وليس لأغمره وأغرقه جزافا حيث يكون استخدام اللغة لخدمة المعنى وليس العكس ، وعادة ما أميل في كتاباتي لأن أراهن على عقل القارئ ووعيه وتفاعله وليس على مزاجه وإلا فشلت في معظم الأوقات. - الرجل مدان في اغلب قصصك والأنثى مكلومة ومحطمة – هذا النوع من الرؤية ألا يجعل القصص تدخل في حالة من النمطية ؟ الرجل ليس مدانا وحده والأنثى ليست مكلومة وحدها ، بل الإنسان بشكل عام هو المدان والمكلوم بنفس الوقت، ولكن صوت الأنثى كان عاليا في النصوص أكثر من صوت الرجل كونها هي الشخصية الأساسية التي تتكلم وتبوح وتقرأ الأحوال وهي ليست أبدا طرفا في صراع ما مع الرجل "وأعتقد أن هذا هو التفكير النمطي " بل كلاهما في صراع مع الإنسان الكامن داخل كل منهما ومع الحياة وتداعياتها، وعموما كل ما في الحياة يندرج بالنهاية تحت سقف النمطية ولا ضير على الكاتب أن يكتب ويتناول مواضيع نمطية ولكن يؤرقنا دائما أن تكون الرؤية والمقاربة للأمور مختلفة وليست نمطية.