رحم الله الأمير سطام رحمة واسعة وأسكنة فسيح جناته. العزاء لسيدي خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -، وسمو ولي عهده، وسمو النائب الثاني. الحزن على فقدانه للوطن كله حزن عميق. أما بالنسبة لنا ابناء الرياض فالحزن له طابع خاص، إذ كان - رحمه الله - جزءًا من تاريخ العاصمة، وتتلاحق الصور في الذهن.. مبنى الإمارة القديم، والديرة والمقيبرة والثميري وأسواق بن دايل.. الخ، كيف كانت وكيف اصبحت.. وقد كان - رحمه الله - مواكبا ومؤثرا لمسيرة تطور الرياض، سواء في البنية التحتية أو الخدمات الاجتماعية والأمنية والصحية والتعليمية وجميع ما يلامس حاجة سكان العاصمة. وكان - رحمه الله - حريصاً ومتابعاً بطريقة هادئة وحكيمة، لكنها حازمة. لم أنس حديثاً مع سموه رحمه الله في مكتبه منذ سنوات عدة، وبالتحديد في عام 2000م، كنت قد انتقلت بنظام الإعارة من الشؤون الصحية بالحرس الوطني مديرا عاما لمستشفى رعاية الرياض (التأمينات سابقا)، وذهبت للإمارة وتشرفت بالسلام على صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، أمير الرياض في ذلك الوقت، والاستماع الى توجيهاته، والتي اثرت مسيرتي في عملي الجديد آنذاك، ثراء كبيرًا. بقيت توجيهات سموه زادًا ومرجعاً لي في عملي. ثم تشرفت بالسلام على صاحب السمو الملكي الأمير سطام نائب أمير الرياض في ذلك الوقت. استقبلني رحمه الله ببشاشته وأريحيته المعهودة، وجرى هذا الحديث، حسب أفضل ما أذكر سمو الأمير، مبادرا: أنت في موقع جديد وهام للناس في شرق الرياض، وما يهمهم يهمني، ولا بد من دور كبير لهذا المستشفى في هذه المنطقة. أنا: لدي بعض الأفكار لتأسيس خطة استراتيجية، وأتشرف بأي توجيهات منكم، لكنني اعلم ان وقتكم يحتاجه آخرون ( ونظرت الى ملفات على طاولته). تابعت: رأيتهم ينتظروت في الصالون المجاور. سمو الأمير: لا بأس لأن موضوع المستشفيات يخص أعدادا كبيرة من الناس لم يتمكنوا من الحضور الى هنا.. وبعضهم على الأسرة. ثم تابع بأريحية: تفضل، ما هي هذه الأفكار؟ أنا: إنني الآن في مرحلة التقويم، وقد تم تشكيل عدة لجان متخصصة من داخل وخارج المستشفى من الزملاء المؤهلين.. يشمل هذا التقويم الهيكل الإداري المنظم للمستشفى، والتخصصات الطبية والطبية المساندة، ولجنة إدارية مالية متخصصة، ولجنة نظم المعلومات. سمو الأمير: واضح.. ثم التوصيات.. ثم ماذا؟ أنا: التنفيذ والمراقبة، ثم التطوير.. إن تشغيل المستشفيات يجب أن يتم من خلال مجموعة من النظم والإجراءات في جميع الأقسام وفق معايير معترف بها عالمياً، وأحد الأهداف التي سنعمل على تحقيقها الحصول على شهادة اعتماد المستشفيات العالمية وذلك من خلال تطبيق هذه المعايير المعروفة في مختلف التخصصات بالمستشفى.. وعاد رحمه الله بجسده مستندا الى كرسيه وقال: هذا كلام جيد وطموح ياعبدالعزيز. وتابع باللغة الانجليزية مبتسما عندما نرى الواقع نصدق (Seeing is believing) وأضاف: ولا تنسى التعليم المستمر.. و إذا احتجتم شيء تواصل معي. شكرت سموه رحمه الله، واستأذنته.. وانصرفت وبقي اثر كبير في نفسي وذهني لهذه المقابلة.. بعد فترة من هذه المقابلة مع سموه رحمه الله وضمن البرامج التعليمية للمستشفى، أقمنا ندوة عن الإصابات المهنية، وذهبت إلى سموه لدعوته رحمه الله لرعاية وافتتاح هذه الندوة، فأجابني بالحرف الواحد: بكل سرور. وتشرف المستشفى بحضوره وافتتاحه الندوة بتواجد معالي الدكتور حمد المانع، وزير الصحة السابق، ومعالي الأستاذ سليمان الحميد محافظ المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. وقد اشعرنا سموه رحمه الله خلال جولته بالمستشفى بسعادته، وأشاد بما يصله من خلال متابعته. وعند وداعه، سألني: ماذا عن شهادة الاعتماد. فقلت لسموه، اننا قطعنا شوطا جيدا في الإعداد لذلك.. وبإذن الله وتوفيقه سيحصل المستشفى على هذا الاعتراف. فقال سموه: ما رأيناه وما يصلنا عنكم يدعو للتفاؤل وفقكم الله. بعد ذلك وبتوفيق من الله، حصل المستشفى على شهادة الاعتماد. وقد تحقق هذا النجاح بجهود كبيرة من جميع الزملاء الذين تشرفت بالعمل معهم في ذلك الوقت، ودعم المسؤولين في التأمينات وشركة رعاية. في موقف آخر، ظهر اهتمام وحرص سموه.. مر شرق الرياض بأزمة شح في المياه، وكان على الصهاريج الناقلة للمياه الانتظار مدة طويلة، وخشيت أن يتأثر المستشفى بذلك خلال عطلة نهاية الأسبوع. فقررت الاتصال بسموه رحمه الله.. وفعلت. اخبرني سنترال قصره أن سموه خارج الرياض. فتركت اسمي ورقم هاتفي لديه، واخبرته بأن هناك مسألة تتعلق بالمستشفى. وبعد حوالي عشر دقائق اتصل بي سموه، وأخبرته بمخاوفي من تأخر وصول المياه للمستشفى. فقال لي: سوف نعالج المسألة ان شاء الله. وبالفعل اتصل بي بعد وقت قصير موظف لدى سموه وأخبرني أنه تم معالجة الوضع بتعديل الأولويات بأمر من سموه. هكذا كان سموه حريصا على كل قطاع خاصة ما يلامس المحتاجين من الناس، دائما أخذ الأولوية. رحمك الله يا سطام وطيب ثراك وأدخلك الجنة مع الأبرار.