كان حزناً عميقاً وكبيراً على رحيل أمير منطقة الرياض صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبدالعزيز - رحمه الله - وهذا الحزن بقدر وحجم هامة سموه الكبيرة شبيهاً بمن فقد المعلم والأب والإنسان، لقد رحل عنا وعلينا أن نعتاد صعوبة أنه ليس بيننا بعد اليوم، وإن كانت خصاله وكريم فعاله مازالت نابضة تضيء الطريق لمن يصبو التعلم من مدرسة سطام بن عبدالعزيز الأمير الإنسان أسكنه الله فسيح جناته. إن من حسن حظ المرء أن تقابله في حياته العملية شخصية قيادية وإدارية وسياسية بحجم سموه - رحمه الله - ليعمل قريباً منها يرى ويسمع ويتعلم كيف تكون الثقة في الادارة والعدل في الحكم والانضباط في العمل، لقد مرت أكثر من خمسة وأربعين عاماً على وجوده في إمارة منطقة الرياض قضاها متدرجاً من وكيل للإمارة إلى نائب لأخيه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أطال الله عمره ثم أميراً لمنطقة الرياض، قضاها تفانياً في خدمة الرياض ومواطنيها، وقد كان لي فيها شرف المتابعة والقرب لأكثر من ثلاثين عاماً قضيتها في جنبات إمارة منطقة الرياض أتابع وأرى كيف يفعل الأمير النبيل سطام بن عبدالعزيز في ظل أخيه أمير الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وقد رأيت منه الكثير في كافة المجالات سواء في الادارة، أو في التعامل مع موظفي الإمارة، وفي تعامله مع المواطنين، وفي أسلوبه في حل المشكلات، وفي إنسانيته المميزة في الوقوف للجانب المظلوم أو في اللقاءات والحوارات السياسية مع ضيوف الدولة والسفراء والدبلوماسيين الذين يقابلهم أو يزورهم، وأرغب في هذه العجالة أن ألخص بعضاً مما جادت به ذاكرتني من أحداث وصفات لسموه الكريم رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. - كان سموه متواضعاً تسبقه بسمته، لا يحب الظهور يتبسط في الحديث إلى محدثه بغير تكلف، اجتماعياً بطبعه، لا يفوت العديد من المجاملات الاجتماعية للمواطنين أو للأجانب في مناسبات الدول للسفارات وقد خصص يوماً في الاسبوع يلبي فيه دعوة أحد المواطنين للعشاء في بيته بحيث يكون لقاء مفيداً من الأهالي للذين لديهم اقتراحات أو آراء أو شكاوى وكان يسعد رحمه الله بأي فكرة أو مقترح جديد وأصبحت هذه المناسبات الخاصة مجالاً رحباً للحوار مع سموه في كل قضايا المنطقة وكان مشهوراً عن سموه زياراته المفاجئة للادارات الحكومية بالرياض منذ أكثر من أربعين عاماً وكل ما زار موقعاً رفع تقريراً لسمو الأمير سلمان يوضح مشاكل هذا الجهاز واحتياجاته وكان الأستاذ محمد العتيبي وكيل الامارة للشؤون الأمنية يرافق سموه في هذه الزيارات ويعد التقرير تحت توجيه سموه وقد حققت هذه الزيارات تطويراً لكثير من قطاعات الخدمات والأمن بالرياض. - في حرب تحرير الكويت ووقت إطلاق الصواريخ كان الأمير سلمان والأمير سطام مرابطين بقصر الحكم بالرياض وكنت معهما وبعض الموظفين والمرافقين طوال مدة المرابطة التي بلغت خمسة وأربعين يوماً وكان مكتبي يقع بين مقر سكنهما بالامارة في الدور الخامس وكانت نصيحة الأمن أن يكون سموهما في مكان آمن في الامارة ورفضا هذا الاقتراح وكان الرد نحن مثل أهل الرياض اللي يحصل يحصل لنا جميعاً ولن ننزل إلى ملاجئ أو مكان آخر وكان وقت إطلاق الصواريخ العراقية على الرياض أغلبها في المساء وكان قائد العمليات في قاعدة الرياض اللواء أحمد بن مساعد السديري - رحمه الله - في ذلك الوقت يتصل من الخط الساخن ويبلغ الأمير سلمان بأن صاروخاً عراقياً متجهاً إلينا وسنطلق صفارات الانذار بعد دقيقة وكنا نستعد وتبلغ الجهات المختصة من خلال العمليات والدفاع المدني باتخاذ الاجراءات والاستعداد للضيف القادم. كان الأمير سطام ملازماً للأمير سلمان وأحياناً يذهب للنوم وأقوم بابلاغ سموه وايقاظه إذا حصل في وقت متأخر إطلاق هذه الصواريخ وكان مؤمناً بقضاء الله وقدره وكان أصعب يوم في هذه الأحداث حينما سقط الصاروخ العراقي على مبنى الأحوال المدنية في شارع الوشم وكان الأمير سطام سباقاً في تفقد آثار الكارثة ومتابعة الجهات المختصة في رفع الانقاض ولم تكن ولله الحمد هناك إصابات كبيرة وبعد انتهاء الحرب استمر الأمير سطام - رحمه الله - في متابعة وضع الأسر الكويتية التي كانت تقيم بالرياض وتسهيل اجراءاتهم وبعد التحرير أصرت الحكومة الكويتية على دعوة سموه بزيارة رسمية وتحققت الزيارة ولقي سموه حفاوة واستقبالاً شعبياً في الكويت طوال مدة الزيارة قلد فيها بوسام التحرير من الحكومة الكويتية والشعب الكويتي. - كان الأمير سلمان أطال الله عمره رعى معرض الرياض بين الأمس واليوم في مدينة كولون بألمانيا عام 1985م وكلف الأمير سطام - رحمه الله - ان يرعى افتتاح المعرض الثاني في مدينة اشتوت قارد وكلف اللجنة المنظمة بوضع كافة الترتيبات لسموه وتم افتتاح المعرض وبعد عدة أشهر في ديسمبر 1986م كان المعرض مقاماً في مدينة باريس ورعى الأمير سلمان افتتاحه وعاد للمملكة وكنت مع أعضاء اللجنة في باريس وأبلغنا أن الأمير سطام عائد للمملكة من أمريكا وانه سيتوقف في باريس وسيزور المعرض وكنا في استقباله مع الاخوان أعضاء اللجنة برئاسة الشيخ عبدالله النعيم أطال الله في عمره وكان وقتها معالي السفير جميل الحجيلان الذي كان له دور كبير في إعداد هذا المعرض ونجاحه وتوجه الأمير سطام من المطار مباشرة إلى المعرض وزار أجنحة المعرض وشاهد الزوار وكثرتهم وأعجب بما تم تنفيذه وقال رحمه الله هذا المعرض أفضل وأكبر من المعارض السابقة وتحدث مع اللجنة وأبدى سموه مرئيات تساعد في تطوير المعرض كانت محل قبول وارتياح من أعضاء اللجنة وهذا يدل على بعد نظر سموه ومعرفته بالغرب والأفكار التي تجذبهم وتكون محل اهتمامهم، بعد ذلك توجه للفندق وكان بانتظاره صديق يحب الأمير سطام رؤيته كلما جاء إلى باريس وهو الأستاذ نبيل خوري صاحب ورئيس تحرير مجلة المستقبل اللبنانية - رحمه الله - الذي كان يجلس معه بالساعات يتحدث عن الإعلام والشأن العربي ولبنان حيث كان سموه - رحمه الله - مطلعاً ومتابعاً للأحداث السياسية وتطوراتها. - كان الأمير سطام بن عبدالعزيز - رحمه الله - رجلاً واثقاً في إدارته متسلحاً بالله ثم بالعلم الذي حصل عليه من أرقى الجامعات العالمية في بريطانيا وأمريكا، فقد كان لسموه بادرة مميزة مع مسؤولي الامارة وهي ايجاد اجتماع شهري مع مديري الادارات في الامارة مساء بمكتب سموه يتفرغ في هذا اللقاء ويستمع فيه برحابة صدر وصراحة تامة، طالباً منهم عرض مشكلاتهم وما يقترحون من حلول وتطوير بكل شفافية، معطياً الفرصة لكل من المجتمعين أن يسهب فيما يخطر في باله من أفكار دون أي تحفظ وكان منصتاً متابعاً وناقداً في بعض الأحيان وداعماً ومؤيداً لأغلب المقترحات التي كان لها الأثر الكبير في تطوير عمل الامارة بعد أخذ الموافقة النهائية عليها من سمو الأمير سلمان الذي لا يتردد في أي قرار ايجابي. - كان لسموه الكريم - رحمه الله - مبادرة وتشجيع على التطوير وحل مشاكل المنطقة ومحافظاتها فقد كانت المباني الرسمية لمقرات المحافظات بعضها يقع غالباً في مواقع غير مناسبة داخل المحافظة أو لا تتناسب مع أهميتها في خدمة المواطنين وتم الاقتراح على سموه ان تكون مباني المحافظة قريبة من مدخلها وسهلة للزائر للتعرف عليها والوصول لها فما كان منه إلا ان وجه بأن تعاد دراسة مواقع مباني المحافظات بما يتناسب مع طبيعة الخدمة وسهولة الوصول وان تكون هذه قاعدة للمستقبل عند بناء أي مقر جديد للمحافظات. - كان رحمه الله داعماً لموظفي إمارة المنطقة ومحافظي المحافظات في أي مقترح يكون من شأنه مساعدتهم وتلبية احتياجاتهم ليكونوا عوناً لاخوانهم من المواطنين وأذكر عنه - رحمه الله - عندما طلب عدم إلزام بعض من مستشاري الامارة من كبار السن القديمين بالامارة باتباع الطرق والتقنية الحديثة في العمل لصعوبة ذلك عليهم، وقبول استخدامهم للطرق التقليدية في تقاريرهم وأعمالهم. كما كان حازماً مع من يتجاوز التعليمات ويواجه مباشرة كل مخطئ في اجراء تم اتخاذه وكان - رحمه الله - يقدر الصادق ويعرف انه مجتهد ولكن ربما اجتهاد في غير محله ويعفو عنه وينبهه بعدم تكرار ذلك أما الذي يثبت ادانته فيتم تطبيق التعليمات عليه بنقله أو كف يده عن العمل وفق التعليمات المنظمة لذلك. - عرفت كما عرف الجميع في سموه اهتمامه الكبير لنصرة المظلوم أيا كان، بالوقوف إلى جانبه والتحقق من مظلوميته والأمر بدراسة وضعه إلى ان ترد إليه مظلمته، ولا غرابة إلى جانب ذلك أن يكون رئيساً للجنة إطلاق سجناء الحق الخاص منذ أربعين عاماً باذلاً من نفسه تشجيع التبرعات من رجال الأعمال لاطلاق مساجين الحق الخاص ودعم ورعاية أسرهم وكان هذا العمل الإنساني من أهم الأعمال التي كان يحرص عليها ويتابعها بنفسه ويتصل ببعض رجال الأعمال ويحثهم للتبرع وهذا ساعد أسراً كثيرة أوقف عائلها السجن في حق خاص وتوقفت بهم السبل وليس لهم عائل إلا الله وكان سموه يحرص على هذه الأسر ويصرف لهم مخصصات تكفي احتياجاتهم طوال فترة سجن عائلهم. - كان أميراً للعدل والوفاء، محباً لتطبيق النظام وبكل قوة وعلى الجميع دون أي استثناء حتى على أقرب الناس إليه، وليس سراً أن أذكر أنه قد أمر بإيقاف أحد أقرب المقربين لسموه في قسم للشرطة حتى انتهى الحق الخاص في هذه القضية. لقد كان عادلاً حتى مع نفسه في تطبيق النظام على الجميع. - كان رحمه الله ملتزماً ودقيقاً في مواعيده مؤيداً للأفكار الجديدة التي تنفع الناس مطلعاً على همومهم عبر كافة الوسائل المتاحة بدءاً من الصحافة التي كان يطلع على تفاصيلها صباحاً قبل حضوره للمكتب وبخاصة ما يخص مواطني منطقة الرياض ويتصل يطلب معلومات عن قضية نشرت أو معلومات عن حالة إنسانية وبعد التأكد كان سباقاً لفعل الخير بصمت وبدون إعلام وكان يهتم باستقبال ذوي الحاجات من زوار مجلسه وما يرفع له من تقارير وطلبات. - كان سموه عاملاً لسنوات طويلة تحت مظلة أخيه الأمير سلمان بن عبدالعزيز منفذاً لتعليماته وناهلاً من نبع خبراته، وقد كان لوفائه الأثر الكبير في المحبة بينهما حيث كان يرى في الأمير سلمان قدوته ونبراسه في العمل والخبرة وكان يردد دائماً انه مهما عمل لن يصل إلى خبرة وبعد نظر الأمير سلمان في القضايا والمهمات الصعبة وكانا سموهما مثالاً للقدوة الحسنة لنا كموظفي إمارة الرياض في طريقة تعاملهما. مهما حاولت فإن الذاكرة مملوءة بكثير من الذكريات الجميلة والمواقف النبيلة التي سيأتي يوماً نكتب عن سيرته رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وهذا جزء بسيط مما استطيع ذكره الآن ولكن عزاءنا في فقدانه هو انه أوجد بعده أسرة لها مكانتها ومحبتها لدى الجميع ووالدة رعت هذه الأسرة بكرم خصالها ومعدنها الأصيل ورأفتها وحبها لكل العاملين في بيتها والمحيطين بها الأميرة شيخة بنت عبدالله بن عبدالرحمن أطال الله عمرها وبارك لها في أولادها الذين هم رجال المستقبل حصلوا على أعلى مستويات التعليم ولهم مكانة وتقدير في قلوب أهل الرياض بحسن تعاملهم ووفائهم وبكريماتها اللاتي ساهمن في أعمال خيرية بصمت ولهن دور ومكانة في جميع مناسبات أهل الرياض ومحبة من الجميع وفي الختام لا نستطيع أن نقول إلا (إنا لله وإنا إليه راجعون) رحمك الله يا سطام بن عبدالعزيز وأسكنك فسيح جناته. * عضو مجلس الشورى