ثمة حقيقة يجدر الإشارة إليها في بداية سوانح اليوم.. فلا أتخيل أي إحصائية سنوية.. أو شهرية لأي مستشفى دون ذكر المضاعفات أو الأخطاء (كومبليكيشنز) ولمحبي الإحصائيات أقول ان هناك ما يسمى النسبة المرضية (موربيدتي ريت) ومعدل أو نسبة الوفيات (مورتاليتي ريت) لكل تخصص طبي.. كنسبة وفيات المواليد مثلاَ.. وتظل الأخطاء الطبية لعمل الطبيب الطبي والجراحي في بلادنا.. هي الأكثر تداولاً بين الناس في مجالسهم.. وأصابع الاتهام موجهة دائماً نحو الطبيب والطبيبة اللذين تسببا في الخطأ غير المقصود.. وكأن من يُخطىء في عمله هم الأطباء والجراحون فقط.. وكل من عمل عملية جراحية مهما كانت صغيرة لا بد أنه وقّع (أو وليه) إقراراً (كونسينت) بقبول مضاعفات العملية مهما كانت.. بما في ذلك مضاعفات قد تؤدي إلى الوفاة.. وأذكر بالمناسبة قبل ربع قرن أو يزيد.. مريض استقبلته عند دخوله المستشفى لإجراء عملية جراحية لاستئصال شريان متوسع في البطن (ميسنتريك أنيورزم) وودعته بعد يومين.. بتحرير شهادة وفاته رحمه الله.. وإليكم تفاصيل الحكاية.. فقد كان المريض في بداية الخمسينيات من عمره.. وفي السابعة والنصف صباحاً أُدخل المريض غرفة العمليات التي أجراها استشاريان يحملان أعلى الشهادات.. الأول سعودي والثاني يحمل جنسية أمريكية.. وكنا طاقمين جراحيين في كل واحد استشاري وأخصائي وطبيب مقيم (كنت أحدهما) فبدأت العملية بأخذ وريد (سفينوس فيين) من مؤخر التقاء ساق المريض بفخذه.. أثناء ذلك تم فتح بطن المريض للوصول للشريان المتضخم والقابل للانفجار لاستئصاله من الجهتين.. وعمل ما يسمى (إند تو إند أناستومسز) وقد كانت شحوم بطن المريض والالتصاقات (أدهيشنز) كثيرة وشديدة.. حول الشريان المُراد استئصاله.. ماصعب الوصول إليه.. وبالتالي كان فقدانه للدم كثيرا وشديدا (نقلنا له 32 وحدة دم للتعويض) فقد كان الدم يتدفق من الأوعية الدموية كحنفية ماء فُتحت للتو.. وبسبب ما استجد أثناء العملية أصبحنا نصارع إيقاف نزف المريض وإنقاذ حياته.. فاضطرب الجميع وصاحت الأجهزة الموصولة بالمريض.. وقد انتهت العملية بعد 12 ساعة.. عندما توقف قلب المريض وسُحبت كل الأجهزة من جسده المسجى.. وقمت بإخبار ذويه والمنتظرين منذ الصباح بالقرب من غرفة العمليات.. وتحرير شهادة وفاته رحمه الله وغيرها من أوراق رسمية.. بقي أن تعرف عزيزي القارىء أن المريض (رحمه الله) لم يكن يشتكي من شريانه المتوسع (أنيورزم) الذي شخصته (أنا وزملائي) أثناء فحص روتيني.. لنخبر رئيس القسم الذي طلب مني شرح ذلك للمريض.. وإخباره بما اكتشفنا أثناء الفحص الروتيني.. وإقناعه بوجود خطر على حياته من الشريان المتوسع.. فيجب عليه الموافقة على العملية.. فأقنعته ووقع على إقرار العملية.. التي ندمت عليها كثيراً.. ولكنه القضاء والقدر.. ولكل أجل كتاب.. وإلى سوانح قادمة بإذن الله. *مستشار الطب الوقائي في الخدمات الطبية.. وزارة الداخلية