يرى البعض في المنطقة أن هذه العمالة مجرد جاليات وأن الأمر تحت السيطرة، ولعل هؤلاء نسوا التحولات والتغيرات التي تحدث في العالم والمفاجآت المستقبلية التي قد لا نستطيع التعامل معها في حال لو تغيرت القوانين الدولية وشملنا مفهوم «العمالة المهاجرة» ليست هذه المرة الأولى التي نثير فيها المخاطر المحدقة التي تعيشها دول الخليج نتيجة التركيبة السكانية الغريبة، خصوصا مع تصاعد تدخلات الأممالمتحدة ومناداتها بإعطاء العمالة الوافدة (التي أصبح اسمها في كثير من الدول "عمالة مهاجرة") حقوقا سياسية، والتي تعني، في حالة دول الخليج العربية، فقدان السيطرة على إدارة البلد كون هذه العمالة تفوق في عددها سكان كثير من الدول وتصل في بعضها إلى نسبة 80% من مجمل عدد السكان. يرى البعض في المنطقة أن هذه العمالة مجرد جاليات وأن الأمر تحت السيطرة، ولعل هؤلاء نسوا التحولات والتغيرات التي تحدث في العالم والمفاجآت المستقبلية التي قد لا نستطيع التعامل معها في حال لو تغيرت القوانين الدولية وشملنا مفهوم "العمالة المهاجرة" وما يتبعه من حقوق لا نستطيع درء مخاطرها على وجودنا في هذه المنطقة. منتدى التنمية لدول الخليج العربية الذي عقد في الكويت (7-8 فبراير الجاري) ناقش هذه القضية المهمة وطرح أوراق عمل استعرضت دول الخليج الست وبينت الإشكالات التي تعاني منها هذه الدول في مسائل العمالة والسكان، خصوصا وأن "البطالة" بدأت تتفشى في منطقة الخليج وبين مواطنيها بشكل غير مسبوق مع تزايد لأعداد العمالة الوافدة في صورة تبين التناقض الغريب وغير المفهوم، فكيف تكون هناك بطالة وكيف يوجد اعداد ضخمة من العمالة غير المواطنة؟ لابد أن هناك خللا ما حدث أوجد هذه الظاهرة الغريبة التي تنذر بمخاطر عدة إذا لم نتدارك الأمر عاجلا. لا أكذبكم القول لقد ظهرت بانطباع، من خلال مناقشة اوراق العمل، أنه لا يوجد حل لهذه المشكلة، فحتى على المستوى الشخصي وجدت أنه من الصعوبة بمكان الاستغناء عن العمالة الوافدة في بلادنا لأننا خلال الأربعة عقود الأخيرة أنشأنا ثقافة "اتكالية" يصعب تغييرها أو تحتاج إلى وقت طويل من أجل تغييرها، وهي ثقافة تعتمد كليا على وجود من يقوم على خدمتنا حتى في أدق تفاصيل حياتنا. انها ثقافة تصنع الكسل وتشجعه وتعد بمزيد من المخاطر ومزيد من البطالة بين مواطنينا. والحقيقة هي أنني ارجعت هذه الظاهرة إلى مجموعة الاسباب تبدأ من وجود خلل في التشريع وتنامي ظاهرة "السلطة الناقصة"، فالتشريعات الموجودة في دول المنطقة التي تخص العمالة الوافدة لا تطبق ويوجد خلل كبير وواضح في مسألة ممارسة السلطة التي لا تستطيع تطبيق هذه التشريعات، مع وجود خلل في التشريعات نفسها التي تجعل من إمكانية السيطرة على تدفق العمالة أمرا غير ممكن. الخلل الخطير يكمن في "التبعية للتنمية"، وأقصد هنا أننا بدلا من أن نقود التنمية ونوجهها إلى ما ينفعنا ويفيد مواطنينا، صرنا نتبع التنمية فهي التي توجهنا، وخير مثال على ذلك التوسع في العمران غير المسبوق الذي تمر به المدينة الخليجية. تخيلوا معي لو أن العمالة الوافدة تركت المنطقة فمن سيسكن تلك المباني، صرنا في حلقة مفرغة، فنحن صنعنا مدنا لتستوعب تلك العمالة، ولا نستطيع العودة للوراء. هذا في حد ذاته أمر مقلق ومخيف، فالحل باهظ التكاليف، ويشجع دائما على التراجع عن أخذ مواقف قوية أو حتى إصدار تشريعات يمكن تطبيقها وتحد من تدفق العمالة لأنها سوف تتعارض مع مصالح البعض المؤثر وسوف تؤدي إلى وجود مدن أشباح ومهجورة في المنطقة. المشكلة التي تنتجها هذه التبعية للتنمية نابعة في الاصل من "الانانية" والتقوقع على المصالح الشخصية التي هي أساس البلاء في المنطقة، فالعذر أن "المشاريع الحكومية" الكبرى تتطلب عمالة لا تستطيع السوق المحلية توفرها هو عبارة عن "ستار" لتمرير العمالة غير النظامية وحتى النظامية، فهذه المشاريع مؤقتة ويجب الاستغناء عن العمالة بعد الانتهاء منها وهو الأمر الذي لم يتحقق في يوم. ويبدو أن هناك خللا كبيرا ناتجا عن الرغبة في التمدد الاقتصادي غير المبرر، فهو تمدد ناتج عن استنزاف الموارد الناضبة وعدم توظيفها بشكل يخدم الاجيال القادمة. الهدف من هذا النمو الاقتصادي "تراكم الثروة" لدى البعض دون استثمار فعلي لهذه الثروة. المشكلة التي أراها هي أن هذا النمو الاقتصادي "الوهمي" يؤدي إلى تفاقم مشكلة الخلل السكاني، ويؤدي إلى إضعاف البنية الاقتصادية المنتجة، التي يجب ان ترتكز على المواطنين، لأنه "اقتصاد جشع" ويبحث عن المصالح الفردية وبالتالي فإن عددا كبيرا من المواطنين يتم عزلهم خارج هذا الاقتصاد وينتهي بهم الأمر دون عمل. المشكلة الكبيرة التي يصنعها هذا الاقتصاد "الطفيلي" هو ثقافة "طفيلية" تنشأ على مستوى القاعدة المجتمعية همها الوحيد هو تقليد من هم على قمة هذا الاقتصاد وبالتالي تتراكم ثقافة الاتكال واستنزاف الموارد وعدم الرغبة في الانخراط في الاعمال الجادة والمنتجة فطالما أن هناك موارد سهلة فلماذا نتعب أنفسنا، وهذا في حد ذاته يجعل مشكلة التركيبة السكانية بين المطرقة والسندان فمن جهة يوجد عزوف لدى الطبقة المتحكمة في الاقتصاد من الاعتماد على المواطنين ومن جهة أخرى لا يوجد الحافز لدى المواطنين لتطوير وتنمية المهارات الشخصية التي تجعلهم منافسين في سوق تسيطر عليه عمالة رخيصة الثمن. ولعلنا نصل هنا إلى المشكلة العملية التي تولد مثل هذه الثقافة وتفاقم هذه الظاهرة، رغم أن الحل بين أيدينا، وأقصد هنا "الخلل التعليمي والتدريبي"، فنحن نسمع كل يوم بأن مخرجات التعليم لا توائم سوق العمل، وأنا أرى أن هذه الظاهرة هي جزء صغير من المشكلة، لأن المسألة تكمن في الملايين من العاطلين عن العمل في دول المنطقة والملايين الأكثر منهم من العمالة الوافدة، وفي اعتقادي أننا بحاجة إلى برنامج وطني في كل دول الخليج العربية للتدريب على الاعمال البسيطة التي يحتاج لها السوق وهي اعمال مساعدة ومهنية ويرتكز عليها الاقتصاد وعدم انخراط المواطنين فيها هو السبب الرئيس في زيادة العمالة الوافدة. أما بالنسبة لإصلاح التعليم فهذا أمر مفروغ منه ويحتاج إلى قرار سياسي شجاع يبتعد عن المجاملة ويضع أطر ومعايير محاسبة واضحة ويصنع مؤسسات تعليمية حرة ومستقلة ومتنوعة. ما خرجنا به في منتدى التنمية في الكويت هو أن الحل صعب ويتطلب تحولا سياسيا كبيرا، فالأمر مناط بقادة المنطقة ويجب أن يكون هناك تحمل للمسؤولية من قبل الجميع ويجب ألا تنفرد أي دولة عن باقي دول الخليج في تطبيق سياسات تزيد من حجم المشكلة، فنحن جميعا في سفينة واحدة وإذا سمحنا للبعض بخرق هذه السفينة فسوف نغرق جميعا، فهل سنسمح للبعض بإغراقنا؟