كان «أبو صالح» -ستيني- يستمع إلى أحاديث البعض في المجلس الذي أعتاد أن يأتي إليه كل مساء لدى جاره؛ ليلتقي ببعض الأصدقاء ويقضي بعض الوقت، خاصةً بعد تقاعده، لكنه كثيراً ما عاش حالة تأمل لمجلس الرجال، فالبعض من الشباب المتزوجين يتحدثون عن مشاكلهم الخاصة في محيطهم الأسري وعن أكثر الأمور خصوصية مع زوجاتهم دون خجل أو تردد، حتى وإن حضر زائر جديد إلى المجموعة؛ فالأحاديث عن المشكلات الخاصة لا تتوقف والتعليق عليها أيضاً لا يتوقف. شعر «أبو صالح» بالكثير من الغرابة والدهشة لما يحدث، ولما يقال في مجلس جاره، فمازال يتذكر كيف كان الرجل في السابق يتحفظ على مشكلاته الأسرية ويعتبرها أكثر المناطق خصوصية، بل إن الأخ كان يخجل أن يشير إلى مشكلة لدى أخيه حتى إن كان يعرفها، وكان الرجل يخجل أن يسأل عن أي معلومة خاصة تتعلق بأسرة صديقه أو قريبه؛ لأنه يعتبر ذلك من أكثر المناطق المخجلة التي لا يجب أبداً التطرق إليها، لكنه أصبح يرى نموذجاً من الرجال مختلفاً، فالبعض يتحدث عن غضب زوجته منه بعد مشكلة حدثت بينهما وذهابها إلى منزل أسرتها أمام الجميع، وكأنه يتحدث عن قطع غيار اشتراها للسيارة من السوق، متسائلاً: ما الذي حدث للناس؟، لماذا أصبح الحديث عن المشكلات الخاصة بهذه السهولة؟، ولماذا أصبح تسريبها للعامة أمرا اعتياديا وكأن المجتمع يحق له أن يسمع ويعرف عن خصوصياته؟. أصبح البعض من الجنسين سواء كان رجلا أو امرأة يتحدث عن أدق المشكلات الخاصة في حياته للآخرين، وكأنه يتحدث عن أمر عادي جداًّ، فالرجل أصبح يتحدث عن خلافه مع زوجته ويذكر أسباب الخلاف بالتفصيل دون مراعاة أنه يتحدث للعامة، في المقابل أصبحت المرأة تتحدث عن مشكلاتها الزوجية وعلاقتها الخاصة بزوجها، عن مشكلة إخوتها، عن مأساة أسرها في مجلس نسائي كانت قد ذهبت له لترشف قهوة الضحى أو المساء فيه، حتى أصبح البعض لا يشعر بأهمية الخصوصية في حفظ الأسرار أو الأمور الخاصة، فما أسباب تسريب المشكلات الاجتماعية من قبل البعض؟، ولماذا لم يعد هناك التحفظ على الأمور الخاصة؟، هل ذلك يعود إلى التوسع في «الثرثرة» عبر قنوات التواصل عن الخصوصيات؟، أم إلى الإنسان الذي أصبح يحتاج للكلام دون أن يختار من يتكلم معه؟. ويبقى من المهم أن يحافظ الزوج أو الزوجة على أسرار المنزل، وعدم إفشائها للآخرين، فربما توسعت دائرة الحديث لتصل إلى أكبر شريحة، وهنا لابد من الحرص على «كتمان» ذلك الأمر، وعدم التحدث إلاّ لشخص مُقرّب وثقة. دون خجل وقالت «آسيا السلطان»: هناك الكثير من النساء والرجال من أصبح يتحدث عن مشكلاته الخاصة، وكأن الأمر لا يخصه ولا يسيء إلى أسرته، مضيفةً أن البعض أصبح يستسهل الحديث عن الخصوصيات من منطلق أخذ المشورة، أو قضاء الوقت في «الثرثرة» غير المحمودة، مشيرةً إلى أن إحدى الجارات تجتمع بنساء الحي بشكل يومي، حيث «تثرثر» عن أدق تفاصيل حياتها ومشكلاتها الخاصة، حتى إنها تتحدث عن أمور لايجوز لها أبداً أن تتحدث عنها ودون خجل، في الوقت الذي يبدي البعض أمامها تعاطفاً وتفهماً وتشجيعاً لما تقوله، مبينةً أنه حينما تغادر المجلس تأخذ الكثير من السيدات في انتقاد سلوكها، وربما نقل البعض ما قالته في مجلس آخر، حتى أصبحت مشاكلها الخاصة معلومة لدى الكثير، بل ووصلت إلى أسماع الرجال من أزواج بعض النساء اللاتي كنا يستمعن إليها. وأوضحت أن البعض لا يحرص على وضع خطوط حمراء لا يجب تجاوزها أمام الآخرين، مضيفةً أن هناك من يبدي لك بأنه متعاطف معك ويتفهمك، بل إن البعض منهم يعد أن لا يُخبر أحداً بما سمعه، لكن سرعان ما يتم تبادل مشكلات هذا الإنسان بالزيادة والنقصان دون الاهتمام بالوعد الذي قطعه، ذاكراً أن المرء عليه دائماً أن يتحفظ على ما يخصه، خاصةً في وقت أصبح هناك تباعد اجتماعي ومسافات تفصل بين وعي فرد وآخر، كما أن الثقة أصبحت معدومة في المحيطين بنا، فهناك من يظهر لك المحبة وهو عكس ذلك، مشددةً على أهمية الحذر في الحديث عن المشاكل الخاصة حتى لا يستغلها أحد ضدك. مساحة فضفضة! ووجدت «أحلام عبدالعزيز» في تفاقم الحديث عن المشكلات الخاصة للفرد لدى العامة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي أسبابا ومبررات، فالناس أصبحوا يعيشون مرحلة من الضغوطات المادية والمعيشية والاجتماعية، وهناك الكثير من المشاكل التي أصبحت تطفو على السطح لم تكن موجودة من قبل كقضايا الاعتداء وسلب الحقوق والقتل والجرائم الأخلاقية والأسرية، حيث أسهمت كثيراً في اتساع مساحة «الفضفضة» الاجتماعية لدى الأفراد، مضيفةً أن الحديث عن المشكلات أصبح سمة العصر، وهناك من يعتقد أن إعلان مشكلته لدى العامة قد يسهم في حلها، أو تفهم البعض أسباب ما يمر به من إخفاقات في الحياة، وكأنه يطلب السماح من العامة دون أن يشعر بأنه يتحدث عن خصوصياته. وأشارت إلى أن الفرد أصبح يعاني كثيراً من أعباء الحياة وإخفاقاته في التواصل الاجتماعي الجيد، مضيفةً أن الأسرة الواحدة تفرقت ولم يعد هناك روابط اجتماعية كما في السابق، بل إن وجود صديق حقيقي أصبح حالة نادرة لكي يستطيع أن يعود إليه الفرد في الحديث عن مشكلاته، مما زاد الحاجة إلى الرغبة في الحديث عن المشكلات الخاصة التي أصبحت تقال عند العامة دون تردد أو تحفظ. لا يحفظ سر وتنتشر المشكلة الخاصة للأسرة في القرى الصغيرة والأحياء الشعبية التي مازالت تحتفظ بفكرة التقارب الاجتماعي الكبير والترابط فيما بين الجيران كما في السابق، حيث إنه كلما أصبح هناك عصرية في الحياة وتباعد اجتماعي بين أفراد المجتمع كلما قل تناقل أخبار الشخص لأن التواصل أصبح قليلا، في حين أننا مازلنا نسمع أدق خصوصيات المشاكل الأسرية في القرية أو الأحياء التي مازالت تحتفظ بفكرة التواصل الاجتماعي الكبير بسبب التقارب واعتبار الكل جزءا من كيان واحد. وانتقدت «أم هديل» زوجها الذي يتحدث لأخوته وأسرته عن الكثير من خصوصيات حياتهما، فحتى طلباتها التي تحتاج إلى شرائها أو تحتاج إلى استخدامها وتدخل في الاحتياجات الخاصة من الممكن أن يثرثر بها لدى أسرته، مضيفةً أنها تسمع من أحد شقيقاته عما طلبته منه، أو مشكلة حدثت، مبينةً أنها عندما تواجهه وتنتقد سلوكه يعتبر ذلك أمراً عادياً، فهؤلاء أسرته، مشيرةً إلى أن معاناتها مع زوجها الذي لا يحفظ أي سر في حياتهما أصبحت كبيرة، حتى إنها كثيراً ما غضبت منه واختلفت معه وعادت إلى منزل أسرتها، لكنه يأتي يعتذر ويعد أن لا يتحدث عن خصوصياتهما أبداً، فتثق بذلك الوعد ثم تكتشف أنه عادة مرةً أخرى إلى سلوكياته غير المقبولة. أزواج «ينشرون غسيلهم» أمام الآخرين من دون استشعار «ردة الفعل» والخوف من تدخل «العذّال» اتساع الدائرة وأكدت «أم هديل» على أن الآخرين مهما أبدوا تفهمهم لمن يثرثر بخصوصياته إلاّ أنهم في الأعماق ينتقدون ما يسمعون، فأسرة زوجها تبدي لزوجها التفهم والتعاطف، لكن البعض منهم من ينقل تلك الأخبار الخاصة إلى الأقارب، فتتسع دائرة الحديث عن مشاكل الزوجين الخاصة، موضحةً أن الإنسان عليه أن يتحفظ على كل ما يتعلق بحياته الخاصة، وأن لا يتحدث بشيء عنها حتى للمقربين؛ لأننا أصبحنا في وقت من الصعب جداًّ أن تثق بأحد، أو أن تحفظ السر لدى الآخر. وقالت «منال الصومالي» -أخصائية اجتماعية في مستشفى الملك فهد بجدة-: إن هناك من نقابلهم في الحياة دون سابق معرفة، وربما نقابلهم مرة في الحياة ونبوح لهم بما نخفيه، مضيفةً أنه ربما شاهدناهم في المطار أو في مكان عام أو سوق وبمجرد أن يسأل: ماذا بك؟، يسرد هذا الإنسان كل ما يشعر به من أحاسيس ومشاعر ومشكلات، وذلك يعود إلى أن الإنسان كائن اجتماعي يرغب في الاحتكاك والحديث عن مشكلاته، لكن النقطة المختلفة لدى الناس في مدى الرغبة في إظهار تلك الإحساس أو المشكلات وإخفائها، مشيرةً إلى أن هناك من يتحفظ عليها ويجعل أموره الخاصة حصراً على الأهل وبعض الأصدقاء، وذلك يعود إلى البناء الشخصي للإنسان، في المقابل هناك من يعتمد على قاعدة تقول «كل ما يعلم يقال، وكل ما نشعر به نقوله»!. تربية وثقافة وأرجعت «منال الصومالي» أسباب الحديث عن المشاكل الخاصة لدى البعض إلى أسلوب التربية بداخل الأسرة والثقافة السائدة في المنزل، فهناك من يُربي أبناءه على التحفظ الشديد، وهناك من يتربى على الحديث بإسهاب دون تحفظ على ما حدث للأعمام أو الأخوال أو الأخوان، مضيفةً أن من يُسرِّب مشاكله الخاصة ربما يعود إلى تعرضه إلى ضغوطات نفسية شديدة يشعر فيها أنه بحاجة إلى التنفيس، مبينةً أن هناك أمورا خاصة تتعلق بالمنزل أو أمور تتعلق بالزواج يتم الحديث عنها أمام البعض دون الانتباه إلى أن المشكلة الكبيرة، وهي تسرب هذه المشكلات بين آخرين يجعلونها مادة للحديث عنها وتناقلها، فربما هو تحدث لأنه يرغب في التنفيس لكن ما يحدث أن الشخص الذي تحدث له ببعض مشكلاته الخاصة سينقل عنه تلك المشكلات إلى آخرين دون تحفظ، مشددةً على أهمية عدم الحديث عن مشكلاته الخاصة وعن ما يشعر به إلاّ لصديق مقرب يثق به. وأضافت أن الثقة تكون موجودة تجاه هؤلاء بهدف التناقش في تلك المشكلات وأخذ المشورة فيها، وليس الحديث عنها أمام العامة دون تحفظ، موضحةً أنه -مع الأسف- أصبحت وسائل التعبير عن المشكلات تتخذ عدة اتجاهات أهمها «تويتر»، «واتس آب»، حيث يتم طرح الأمور الخاصة والمشاكل الاجتماعية على العامة دون خجل أو تحفظ. الإفصاح عن المشاكل الزوجية يترك انطباعاً سلبياً أمام الآخرين