«لم تأتِ لي رسالة تحذير حينما كنت في جدة؛ إذ شاهدت غضب الطبيعة للمرة الأولى في حياتي، حيث كانت المياه تجرف كل شيء في طريقها، وكأن جدة الحبيبة ليست جدة».. عبارات تصلك بحزن شديد من «زهرة محمد» -التي تعمل في جدة وقت الكارثة-. عجزنا مع «ربعنا»:«أمطار غزيرة يطلعون للأودية».. «ضباب يتمشون»..«غبار ورياح» ولا يؤجلون أعمالهم ولا تعتبر «زهرة» الوحيدة التي لا تزال تأمل في وصول أخبار الطقس لهاتفها الجوال في شكل يومي؛ إذ تعتبر المختصين في علم الأرصاد، والهواة منهم أبطالاً، خاصة إن نشطوا في شكل ذاتي لإيصال المعلومات للناس في شكل يومي، قائلة: «في كارثة أهلنا في تبوك التي حصلت قبل أيام كان الوضع من ناحية الطقس مختلفاً، إذ علمت بأن هناك مخاوف قبل وقوع الحدث، وهذا يترك فسحة من مجال للتصرف بالنسبة للناس». د. فؤاد السني الأرصاد تتواصل وتجد «زهرة» أن الطقس في المملكة يشهد حالة من التطرف، وتضيف: «ربما بسبب التغيرات المناخية العالمية، بيد أن الكلمة الفصل ستكون للمختصين»، فيما يشدد «محمد القحطاني» -مدير المركز الإقليمي للأرصاد وحماية البيئة في المنطقة الشرقية- على أن «هيئة الأرصاد وحماية البيئة» تمنح المعلومات للجهات الإعلامية، وتوفرها لهم، وهي لا تعتبر جهة إعلامية؛ فهي توفر المعلومة لمن أرادها، وترسل معلوماتها في شكل يومي إلى أكثر من 500 جهة إعلامية ومؤسسة ومطارات المنطقة الشرقية، كما تعمل بنفس النظام في فروعها الأخرى في المملكة، فهي صاحبة دور كبير في منح المعلومة الصحيحة التي تصيب بنسبة 100 في المئة»، مستدركاً «إن كان هناك تقصير في إيصال المعلومات فهو من ناحية المتلقين لها»، مضيفاً «إن فرع الرئاسة ممثلاً في فرع مطار الملك فهد بالدمام تجري التوقعات اللازمة على حاضرة الدمام وما حولها، وذلك جنباً إلى جنب مع التوقعات التي تعملها الجهات العاملة في المركز الوطني للأرصاد والبيئة في جدة، ونعمل توقعات جوية للمنطقة الشرقية بكل مناطقها الممتدة من رفحا شمالاً إلى أبو قميص جنوباً، وهي مساحة كبيرة». ويتابع «إن المعلومات الأرصادية التي تقوم بها الرئاسة ممثلة في مركز مطار الملك فهد تعتبر حيوية ومهمة، فهي تقدم معلومات تخدم الملاحة الجوية في شكل مركّز، كما تقدم معلومات للملاحة البحرية أو البرية، وهذا جهد كبير ومميز». محمد القحطاني توفير معلومات ويرى «القحطاني» أن «هيئة الأرصاد» توفّر المعلومات الهامة لطالب المعلومة، مضيفاً «نوفّر لمطارات الشرقية المعلومات مثل مطار الأحساء، مطار حفر الباطن، مطار القيصومة، مطار رفحا، وهي مطارات مدنية، إضافة للقواعد العسكرية التي تنتشر في المنطقة الشرقية، وتنعكس تلك الخدمات على الناس على اعتبار أن الطيار يستفيد منها في الإقلاع والهبوط، ما يعني تسهيل حركة السفر على الناس»، مشيراً إلى أن التصنيف الدولي للمطارات يعتمد في واحد منهم على موقع للأرصاد فيه، ومن دونه لا يعتبر مطاراً. ويتابع «إننا نتفق بأن توفير المعلومات الارصادية مهمة حتى لو كان الجو جميلا، وليس به أي رياح، إذ تعتبر حقاً للجميع الذين يجب أن يصلهم يوميا الضغط الجوي، درجة الحرارة، الرؤية على الطريق والجو». محمد عباس وسائل التقنية وعن استخدام وسائل التقنية لبث المعلومات للمواطن يقول «القحطاني»: «إننا نريد أن ننوه لنقطة مهمة، فنحن في الأرصاد وحماية البيئة لا نعتبر جهة إعلامية، ونحن جهة منتجة لمعلومات معينة، ويتم توزيع المعلومات على المستفيدين، وفي المنطقة الشرقية لدينا 500 مستفيد على أقل تقدير يومياً تصلهم معلوماتنا، ومنها جهات رسمية وأهلية»، مضيفاً «أما فيما يخص الجمهور فنحن كجهة نستقبل في مطار مركزنا بمطار الملك فهد مكالمات المواطنين على رقم (8836152)، وهو الرقم المخصص لطلب المعلومة داخلياً ودولياً»، مشيراً إلى أن المعلومات وافية وكافية، مستدركاً «تصلنا انتقادات في الأرصاد تقول لنا لم لا تخبروننا، نرد عليهم بالقول بأننا لسنا جهة إعلامية، نحن نوصل المعلومة للجريدة أو وسائل الإعلام الأخرى، ولست مسؤولاً عن نشرها، وهي مسؤولية كبيرة على الجميع، ومن جهتنا نوصل المعلومة لهم، وعليهم نشرها». رسائل ذكية وليس بعيداً عن الإفادة من معلومات «الأرصاد» التي تنشر في موقعها الإلكتروني، أو تلك التي تزود بها الجهات ينشط مختصون في علم الأرصاد والفلك، أو هواة فيه لتوصيل المعلومة. وقال «سلمان الرمضان» -مختص فلكي- «أبعث يومياً رسائل الطقس عن تفاصيل ما يحدث من توقعات جوية، ونخبر العوائل أن ما سيحصل خلال الأسبوع المقبل قد يكون الجو ممطراً أو بارداً، وهم يأخذون بما نقول لمصداقيته على أرض الواقع، فيجنبون أنفسهم وأطفالهم كثيراً من المشاكل». ويرى أن من المهم تطوير العمل الإرصادي عبر مختلف وسائل الاتصال، فهناك فارق كبير بين وصول المعلومة سابقاً وحالياً، فأنا أستخدم «الفيسبوك» و»الواتس آب» وتويتر كوسائل اتصال، وهناك الكثير من المتابعين، مشيراً إلى أن الناس تريد المعلومة، مضيفاً «أعتقد أن الإعلام الجديد قد فرض وضعه بصورة قوية، ومواقع وبرامج التواصل لها متابعوها»، مستدركا «هناك جوانب سلبية، كنشر الإشاعات والأخبار بدون التحقق، بيد أنه لو عملت الجهات الرسمية المختصة بوسائل الاتصال الأكثر حداثة مثل «الواتس آب» سيقضى على الشائعات التي تصل في النهاية للناس على أساس أنها معلومة مغلوطة». ويتابع «إن على الجميع أن يعرف دوره من طريق تخصصه، فالتقنية أظهرت اهتمام الناس بالواقع، وثقتهم بما يرد فيها أكثر من الإعلام التقليدي الذي خفت متابعوه بالمقارنة مع ثورة التواصل الجديدة». وعن «هيئة الأرصاد» يقول: «حسب معلوماتي تنشر الهيئة نشراتها عبر موقعها الرسمي، وفي حسابها بتويتر، كما تبث التحذيرات إن تطلب الأمر»، مشيراً إلى أنه يبعث رسائله عبر «الواتس آب» كمثل هذه الرسالة «رياح شمالية على المنطقة من يوم الأحد تزداد سرعتها بعد العصر، ومساءً حيث تصل 30 كم في المناطق المأهولة، وتزيد على 50 كم في عرض البحر، وقد تثير معها الأتربة والغبار وتنخفض درجات الحرارة بشكل ملحوظ وتستمر موجة البرد حتى الثلاثاء». ويتابع «مثل هذه الرسائل يتفاعل الناس معها عبر الرسائل التي تصلني كرد فعل عليها». ردود الفعل ويرى «علي عباس» -راعي منتدى الوسطية الثقافي- أنهم في المنتدى يسعون لبث روح الاهتمام بثقافة الطقس، خاصة بعد الكوارث التي شهدتها البلاد في جدةوتبوك، وهي كوارث ذات علاقة بالطقس، مضيفاً «إن كلا منا يعرف مدى أهمية معرفة الأحوال الجوية؛ لما لها من تأثير هام على مجرى حياتنا اليومية سواءً على المستوى العملي، أو الصحي، خاصة من ينوي دخول البحر، أو السفر عن طريق البر، أو من يعانون من أمراض موسمية وغير ذلك من الأمور الحياتية بدون تحديد»؛ بيد أنه لا يرى أن هناك دورا «فعّالا» للجهات المختصة؛ إذ يقول: «ليس هناك أي دور فعّال للجهات المختصة في الطقس»، مستدركاً «أتمنى أن ينشط ذلك الدور لدى الجهات المعنية بذلك في القريب العاجل». وعن تعليق الدراسة يشدد على أن ذلك يعتمد على الحالة؛ إذ أن كل حالة طقس تفرض وضعها، فإن كان الإغلاق يجنب الطلاق الخطر، ومنه خطر الطريق في أحوال غير جيدة فهذا مطلوب»، مضيفاً «أما بالنسبة لتلافي الكوارث ممكن تلافيها، أو لا أقل التخفيف من آثارها على المجتمع عبر توصيل المعلومة الارصادية للناس». تغيّر مناخي أما «د. فؤاد السني» -أستاذ جامعي- فيرى أن يشهد العالم تغيّرات واضحة في معالم الطقس في كل مكان تقريباً «وربما كان للمدنية الحديثة وما صاحبها من استغلال للموارد الطبيعية بشكل متسارع سبب الكثير من الخلل في البيئة على مختلف الأصعدة، في التربة والبحر والمحيط والهواء وفي الغلاف الجوي»، مضيفاً «هذه التغيّرات والخلل الناتج عنها، أفرز مظاهر حادة في الطقس العالمي لم تكن معروفة من قبل لتشمل مستويات حادة من الحرارة والبرودة، ومستويات متفاوتة من الأمطار والرياح، وإضافة للتقلبات الحادة التي يصعب التنبوء بها وبمستوياتها، وبالتالي أثر سلبا على مصداقية التوقعات التي اعتادتها المجتمعات، ما يدفع للحاجة لتطوير أساليب حديثة وجديدة للتبوء بالأحوال الجوية ليكون لها قيمة نوعية لدى المجتمعات». ويتابع «في مجتمعنا السعودي فإن الحاجة مضاعفة، فمن الأساس المجتمع في مجمله لا يرى الدقة، ولا يرى الأهمية لتوقعات الجو، كما أن الجهات المختصة في تناول الجو والتنبوء به ليس لها الدور الذي يمكن أن يشكل برنامجا متكاملا للوصول لعقول وقلوب وعيون الناس، فتفاعلهم وتواجدهم لدى المجتمع يقتصر على صورة نمطية تعطى مساحة مبرمجة في آخر نشرات الأخبار فقط»، مشيراً إلى أن المقارنة واضحة بين تعامل المجتمع السعودي مع المعلومات المتعلقة بالجو، وتعامل المجتمعات الأوروبية والأمريكية معه، ف»يكاد يكون تناول أخبار الجو وتوقعاته في آخر أولويات الأفراد لدينا بينما يعتبر هو مفتاح وبداية الانطلاقة اليومية لدى غيرنا، كما أن أحوال الجو لديهم هي مادة للحديث، وهي أساس لتخطيط يومهم في العمل وفي الترفيه، و في سفرهم، وفي زياراتهم، بينما أحوال الجو وتوقعاته، هي مادة يتم تداولها بصيغة الماضي الذي حدث وليس بصيغة المستقبل الذي يبنى عليه لدينا، وهنا الفارق الكبير». مقترحات تطوير ويشدد «السني» على أن أحوال الجو ليست في قاموس أكثر أفراد المجتمع؛ لأنهم لا يرون لها قيمة كبيرة في أكثر أوقات العام؛ بسبب رتابة الجو وديمومته على حاله باستثناء بعض الأوقات التي يحدث فيها تغيّرات جوية حادة»، مضيفاً «إن الحاجة ملحة لدينا لعمل عبر نقاط عدة، منها برنامج توعوي لأهمية التنبوء بالطقس وأثره على استغلال الوقت واستثماره أفضل استثمار؛ لأنه يتيح للأفراد التخطيط السليم لعمل الأنشطة في وقتها الذي يتوافق معها فيما يتعلق بالجو، وابتداع وخلق أنماط جديدة لإيصال المعلومات الجوية، وأثرها على حياتهم خلال الساعات القليلة القادمة، وتقديم النصح للتعامل مع الحالات الحادة المتوقعة، وتطوير أساليب حديثة للتنبوء بحالات الطقس على مستوى الدراسات التطبيقية في الجامعات ومراكز البحوث المختصة لدراسة، وفهم ديناميكية وفيزياء المحيطات والبحار والغلاف الجوي في ظل التغيرات الكبرى في الطقس على مستوى العالم، والذي يؤثر محلياً على حالات طقسنا».