سؤالان يطرحهما المرء على نفسه عندما يعترض سبيله تحدٍ على نحو ما: لماذا أنا دون غيري من الناس؟ ولمَ الآن دون غيره من الأوقات؟ والحقيقة أننا، لا نكاد نجمع على أي إجابة واضحة، بقدر ما نجتمع على هذين السؤالين!. اشتقت إلى ذلك الكتاب الذي غير حياتي منذ أكثر من 10 سنوات، وهو كتاب: "الشدائد تصنع الأقوياء"- تحويل المِحَن إلى نِعَم، لمؤلفته ماكساين شنال، والذي شرعت في قراءته حينما رأيت البدء في مطالعة المؤلفات التي تبحث في تطوير الذات الإنسانية. وقد احتوى الكتاب على أفكار مضيئة كثيرة، وقصص وتجارب من الواقع، تبدأ بطرح السؤالين التقليديين: "لماذا أنا"؟، و"هل هي صدفة أن يحدث لي ذلك أم ماذا؟ "ويبدو أن الكلمتين الجوهريتين في هذا السياق هما: "أنا" و"صدفة". لن أخوض في تحليل مثل هذه الأفكار التي تطوف بي بين حين وآخر، فهي متصلة بجانب رئيس منها بعلوم النفس والعقل، وقد يتفرع عنها مسائل أكثر تعقيداً، تجعل من إمكان الفهم غاية صعبة المنال. غير أن المعنى الذي تحتمله كلمة "صدفة" هو ما يجعلني أتساءل بين حين وآخر، هل هناك فرق بينها وبين كلمة "تزامن"؟. ويبدو أن "الصدفة" لفظ نستخدمه حين نعجز عن فهم أي حدث يقع علينا، ويكون خارجاً عن قدرتنا على التنبؤ به أو توقعه، كما أننا نجهل تماماً تلك العلاقة بينه وبين ما سبقه أو لحقه من أحداث. لكن، أيعقل ألا يكون لتلك المصادفات غاية معينة؟ إنني إذ أؤمن بانتظام الكون كله في قوانين محددة ودقيقة - بعضها ظاهر وبعضها الآخر باطن - أقول: أيها الإنسان، فيك انطوى العالم الأكبر بأسراره وألغازه، فهل لديك من سبيل إليها؟!. لقد فسر عالم النفس السويسري كارل جي جانغ جانباً من ذلك، عندما شرح فكرة تزامن وقوع حادثة خارجية مع حادثة داخلية ذات مغزى عاطفي، ومدى ارتباط هاتين الحادثتين معاً. وبمعنى آخر، عندما نكون على درجة عالية من الاستعداد أحياناً، لتقبل أمر ما وبذل جهد كافٍ تجاه تحقيقه، واستقباله بعقولنا وقلوبنا، فإن قوة ما غامضة تأتي بحادثة خارجية لتتصادق مع حالة الاستعداد الداخلي لدينا. تسأل الكاتبة: ما هي هذه القوة؟ إنها العناية الإلهية في واحدة من أبدع التجليات التي تظهر عليها. وما من سر قد تنطوي عليه النفس الإنسانية، ويهدي إلى مثل هذه النتيجة إلا الفطرة!. إن مثل هذا التفسير لما نسميه "مصادفات" أو "تزامنات"، يجعل منها تجارب روحية خالصة، تتجاوز أفق التفكير المادي إلى فضاءات أخرى، تمنحنا الإحساس بالطمأنينة والرضا، بل إن أطيب عزاء قد تتلقاه عندما يلم بك مصاب ما؛ حين تعلم أنك لست وحدك في هذا الكون، وأن الله حسبك ووكيلك؛ وهو مصدر الفرج الذي تراه خلال النور نحوك، سواء علمت ذلك أم لم تعلم. * رئيس تحرير مجلة " فوربس " العربية